** 10 شهور مضت علي ثورة 25 يناير, ثورة شباب مصر الواعد الذين خرجوا إلي شوارع مصر يطالبون بالحرية, والكرامة, والعدالة الاجتماعية.. ومن جديد خرج طوال الأسبوع الماضي شباب الثورة, والعديد من الأحزاب السياسية والقوي المختلفة إلي ميدان التحرير ليعبروا عن غضبهم لعدم اتخاذ أي قرارات أو خطوات إيجابية طوال الفترة الماضية, مطالبين باستقالة عصام شرف رئيس الوزراء وحكومته, وإسقاط المشير محمد حسين طنطاوي.. ومن جديد تعيش مصر منعطفا سياسيا وتقدم أولادها للموت من أجل الحرية والتقدم.
كانت وطني بالتحرير ترصد أحوال الميدان الذي شهد العشرات من الموتي والآلاف من المصابين, لفت نظرنا وسط دخان الغاز المسيل للدموع ملائكة الميدان بزيهم الأبيض ينتشرون هنا وهناك بشغف وحب لإنقاذ الشباب المصاب.. ومع كثرة الحالات التي تقدر بالآلاف وتغطية الغاز المسيل للدموع للميدان وما حوله, صارت مهمة الأطباء صعبة.. فلا مكان معد للإسعاف ولا وإمكانيات متوفرة, وفي بادرة طيبة وسريعة فتحت لهم كنيسة قصر الدوبارة الإنجيلية أبوابها ليجدوا المساعدة, ولم يكن الأمر غريبا, فكنيسة قصر الدوبارة هي الكنيسة الأولي التي وقفت مع شباب 25 يناير أثناء ثورتهم ليس فقط لقربها من الميدان, ولكن إدراكا من آبائها وخدامها بواجبهم نحو المجتمع دون تفرقة أو تمييز بين مسلم ومسيحي, وهي الكنيسة التي تدعو دائما لاجتماعات الصلاة من أجل أن يحفظ الله مصر وأن ينعم عليها بالأمن والاستقرار, وهي الكنيسة التي تقيم دائما مؤتمرات للتسابيح والتراتيل تقوي الإيمان في النفوس وترفع التهاليل تمجد رب المجد بوعده الإلهي مبارك شعبي مصر.
عند دخولي هذه المرة إلي كنيسة قصر الدوبارة لم يكن غريبا أن أري هذه الأعداد من الخدام والخادمات, الغريب أنهم لم يأتوا للصلاة, جاءوا هذه المرة لإسعاف مصابي ميدان التحرير, ورأيت مستشفي ميدانيا في كنيسة قصر الدوبارة, وكانت جولتنا التي تسجلها السطور القادمة.
** في حوار مع القس سامح موريس راعي كنيسة قصر الدوبارة الإنجيلية قال: الكينسة فتحت أبوابها الأحد الماضي لتستقبل المصابين من المتظاهرين بميدان التحرير, بدأنا بفريق من الأطباء أبناء الكنيسة المتطوعين, بعدها استقبلت الكنيسة العديد من أطباء الميدان الذين جاءوا إلينا للحماية من آثار الدخان المسيل للدموع, حقيقي إننا ليس المستشفي الميدان الوحيد ولكنه المستشفي الأكثر تنظيما واستعدادا, وصارت كنيسة قصر الدوبارة المستودع الرئيسي لتوزيع المستلزمات الطبية للعديد من الأطباء المنتشرين في الشوارع المحيطة بالميدان والمستشفي الميداني بمسجد عمر مكرم, ونحن ككنيسة نشجع أولادنا الأطباء أن يندمجوا مع إخوتهم المسلمين في منظومة إنسانية تعمل بكل جهد وحب لمساعدة شباب الثورة المجروحين جسديا.
** ونحن ندعو الجميع إلي سماع صوت العقل كبديل عن صوت الأسلحة التي أفقدتنا المئات من أولادنا وأحدثت جراحا غائرة بالمواطن المصري, لن تلتئم إلا بإقامة دولة الحق والقانون, ونحن في كنيسة قصر الدوبارة دائما نفتح أبوابها لإقامة الصلوات ليتحقق الأمن والاستقرار علي أرض مصر.
** واختتم القس سامح حديثه قائلا: إنني أدعو جميع الأطباء شبابا وخبراء للانضمام إلي هذه الملحمة الجميلة التي برغم صعوبة المشهد وسط المصابين والشهداء إلا أن مساندة هؤلاء الأطباء خير دليل علي ترابط الشعب المصري ووحدته.
***
** في لقاء مع الدكتور عبدالله محمد – صيدلي – يقول إنه بدأ مشاركته في كنيسة قصر الدوبارة الإنجيلية – المستشفي الميداني – صباح الثلاثاء الماضي – 22 نوفمبر – وكان المشهد داخل الكنيسة محزنا للغاية, فأعداد المصابين بالمئات, وجميع الأطباء بالمستشفي يعملون طوال اليوم بنظام الورديات, فاستقبلنا مصابين بحالات تشنج شديد, وقئ من جراء الغاز المسيل للدموع ورأينا العديد ممن أصيبوا بجروح متفاوتة من طلقات الخرطوش والتراشق بالحجارة.
ويضيف: كانت الفجيعة الكبري مساء يوم الثلاثاء, فبعد خطاب المشير طنطاوي تعرض الميدان بأكمله إلي اختناق من كثرة القنابل المسيلة للدموع حتي وصلت إلي الكنيسة.
وعن الحالات الصعبة يقول الدكتور عبدالله إنه بعد الكشف عليها داخل الكنيسة كنا نقوم علي الفور بإبلاغ الإسعاف وينقل المصاب إلي مستشفي قصر العيني, والكنيسة تعمل كل جهدها لتوفير جميع المستلزمات الطبية علي أعلي مستوي مع حضور خبراء من الأطباء وجميعهم متطوعون للخدمة.
** وعن مشاركته كمسلم داخل كنيسة يقول الدكتور عبدالله محمد: عندما ينادي الوطن نحن في خدمته ونلبي نداءه. فنحن مسلمين وأقباطا نعيش علي أرض واحدة, نتظاهر سويا ضد الفساد, نقف في التحرير يدا بيد نطالب بالحرية والعدالة والديموقراطية, فشعب مصر الأصيل لا يعرف فرقا بين مسلم ومسيحي, والكنيسة التي فتحت أبوابها للجميع خير دليل علي هذا وسيسجل لها التاريخ هذا, وربما لا يعرف الكثيرون أن أطباء كنيسة قصر الدوبارة هم الذين شاركوا أثناء ثورة 25 يناير في مستشفي عمر مكرم وعباد الرحمن, فبيوت الله لا تعرف المسلم من القبطي, ودورنا إنساني, ولن نترك متظاهرون الميدان إطلاقا حتي إن كان الثمن حياتنا.
***
** في لقاء مع الدكتورة ليليان صبحي – استشاري الجراحة العامة بقصر العيني قالت إن المستشفي الميداني بكنيسة قصر الدوبارة هو جزء من واجب الكنيسة الوطني, واستمرار للدور الذي قامت به الكنيسة أثناء ثورة 25 يناير.
وعن المستشفي الميداني بقصر الدوبارة تقول الدكتورة ليليان إنه بدأ منذ الأحد الماضي, حيث استقبلنا عددا قليلا من المصابين, ومع الساعات الأولي من اليوم التالي انتشر بالميدان خبر وجود بعض الأطباء بكنيسة قصر الدوبارة لإسعاف المصابين ومن هنا بدأ يتوافد إلينا العشرات, ممن لم يجدوا من يسعفهم, وفي ذات الوقت بدأ ينضم إلينا العديد من الأطباء الشباب والخبراء لمساعدتنا, ونشكر الله أن الكنيسة استطاعت أن تكون فريقا طبيا من ثلاثمائة طبيب تقريبا خلاف طلاب الامتياز بكليات الطب, كما توافد إلينا بالكنيسة العديد من التبرعات أغلبها سرنجات وأنابيب أوكسجين.
** وعن الغاز المستخدم في القنابل المسيلة للدموع قالت الدكتورة ليليان إننا قمنا بأخذ عينات من الدم لتحليلها بقصر العيني لأننا وجدنا صعوبة بالغة في معالجة المصابين, ولكن من المؤكد أن الغاز مختلف, فأثناء ثورة 25 يناير كنا نستخدم مواد حمضية – Asid – لمعالجة المصابين ولكن هذه المرة لجأنا إلي مواد قلوية – Alkain – لمحاولة إنقاذ المصابين, والغريب أن الغاز يختلف من يوم لآخر, فنحن كل يوم نجري تجارب للوصول إلي أسرع وسيلة للإنقاذ للتعامل مع الغاز المستخدم.
** وفي لقاء مع الأستاذ ماجد عادل – خادم بكنيسة قصر الدوبارة الإنجيلية – قال إنه قد شارك في ثورة 25 يناير, ولكن ما مر به ميدان التحرير خلال الأسبوع الماضي لم نشاهده من قبل, فمنذ أن فتحت الكنيسة أبوابها للمصابين ونحن نستقبل يوميا مئات الحالات مصابة بطلقات الخرطوش, ورأينا الكثير من المتظاهرين الذين سقطوا بالرصاص الحي.
** وأضاف الأستاذ ماجد أننا نشكر الله أن الشعب المصري بكل طوائفه يجتمع عند المحن, وفي أقل من يوم امتلأت الكنيسة من الأدوية والبطاطين والسرنجات, وبخاخات الربو, وكل المستلزمات الطبية اللازمة للإسعافات الأولية للمصابين.