تواجه تركيا أزمة حقيقية مع بدء العد التنازلي للانتخابات البرلمانية في 12 يونية المقبل,علي الرغم من أن كل الأجواء كانت تشير إلي انتخابات هادئة بغض النظر عن سخونة المنافسة بين الأحزاب.
ولأن القاعدة في تركيا تقول إنه لايوجد حدث سياسي بلا أزمة أو مشاكل,فقد جاء قرار الهيئة العليا للانتخابات قبل أيام باستبعاد 12 مرشحا مستقلا من قوائم المرشحين للانتخابات,بينهم 7 من مرشحي حزب السلام والديموقراطية الكردي,بسبب صدور أحكام قضائية ضدهم تمنعهم من الترشح في الانتخابات,لتدفع بالانتخابات المقبلة إلي أجواء أزمة حقيقية.
وبداية..أحدث القرار جدلا واسعا علي الساحة السياسية,وحظي برفض وانتقادات من السياسيين والأحزاب بمن فيهم حزب العدالة والتنمية الحاكم ورئيس البرلمان محمد علي شاهين وهو من الحزب الحاكم.الذي اعتبر القرار لا يمكن قبوله بضمير ديموقراطي.
وعلي الرغم من أن الحزب الحاكم لا علاقة له بقرارات الهيئة العليا للانتخابات لأنها هيئة مستقلة إلا أن أصابع الاتهامات أشارت إليه وإلي رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان بالدفع باتجاه صدور مثل هذا القرار علي اعتبار أن فقدان مرشحي السلام والديموقراطية فرصهم في خوض الانتخابات يعني فوز حزب العدالة والتنمية بمقاعدهم لأنه الحزب الأقوي تواجدا في مناطق جنوب شرق البلاد ذات الأغلبية الكردية بعد حزب السلام والديموقراطية الكردي.
ولايشكل الجدل السياسي حول القرارات أيا كانت شدته خطرا علي الوضع في تركيا في ظل نظام ديموقراطي يتمتع بالثبات والاستقرار النسبيين,وإنما الخطر الحقيقي يأتي مما ظهر بالأمس من احتجاجات عنيفة واشتباكات بين الأكراد وقوات الأمن في العديد من المدن التركية من إسطنبول غربا إلي فان شرقا إلي مرسين جنوبا وبالطبع في ديار بكر وهكاري وجيزرة في جنوب شرق البلاد,وما صاحبها من اشتباكات تم خلالها اعتقال نحو120 شخصا.
وتبقي هذه الأحداث مرشحة للتصاعد في الفترة التي ستسبق الانتخابات وقد تصل ذروتها وقت إجراء الانتخابات إذا نفذ حزب السلام والديموقراطية تهديده بعرقلة إجراء الانتخابات ووصول صناديق الاقتراع إلي مدن جنوب شرق تركيا.وفي إطار الجدل السياسي حول قرار الهيئة العليا للانتخابات يتهم قياديو حزب السلام والديموقراطية وغالبية الأكراد حكومة العدالة والتنمية بأنها العقل المدبر للمؤامرة ضد الأكراد بهدف إضعافهم وتصفية الحركة الكردية السياسية قبل الانتخابات القادمة.
ويتهم السياسيون الأكراد رئيس الوزراء زعيم حزب العدالة والتنمية رجب طيب أوردوغان,تحديدا,بأنه مدبر الخطة بالتعاون القائم بين الدولة وحكومته ويرون إن القرار الصادر من الهيئة العليا للانتخابات هو قرار سياسي لإضعافهم.
وفي المقابل..يري قياديو حزب العدالة والتنمية أن قرار الهيئة القضائية المستقلة هو بمثابة قرار لإضعاف حزب العدالة والتنمية نفسه قبل التوجه للانتخابات البرلمانية القادمة من خلال دفع جميع الأحزاب الأخري لتشكيل جبهة ضدهم,وأنه قرار صادر من مؤسسة قضائية علمانية ضد حزب العدالة والتنمية وتصفية الأكراد في الفترة التي تحاول فيها حكومة العدالة والتنمية الاقتراب من الأكراد والتوصل لحل المشكلة الكردية القائمة منذ75 عاما,والتي تعد المشكلة الرئيسية في البلاد.. ويعتقد المراقبون بالفعل أن القرار يشكل ضربة موجهة لحزب العدالة والتنمية وللأكراد,وأنه من أجل التوصل لاجتياز هذه الأزمة هناك ضرورة لأن تعيد الهيئة النظر في قرارها,وأن يتم تقديم الدعم لمقترح حزب الشعب الجمهوري,حزب المعارضة الرئيسي العلماني,بعقد جلسة برلمانية استثناثية للبرلمان,من خلال جمع110 توقيعات للنواب حسبما تنص عليه اللائحة الداخلية للبرلمان دون النظر لمصادقة أو عدم مصادقة حكومة العدالة والتنمية علي عقد مثل هذه الجلسة البرلمانية لإجراء تعديل دستوري يقلل من الحد النسبي المفروض علي الأحزاب السياسية لدخول البرلمان,والذي يشترط حصول الحزب علي 10% من أصوات الناخبين حتي يتمكن من دخول البرلمان.
ويؤكد محللون سياسيون أن القرار الصادر عن الهيئة العليا للانتخابات هو قرار سياسي سيدفع تركيا لمرحلة خطيرة للغاية لأن شوارع مدن جنوب شرق تركيا تعيش حالة غليان من قبل إعلان هذا القرار,معتبرين أن هذا القرار سيزيد من حالة الغليان وأن محاولة عزل الأكراد عن المرحلة السياسية الديموقراطية في الانتخابات ستكون بمثابةسكب للبنزين علي النار المشتعلة.
ويري خبراء قانونيون أن اللجنة جانبها الصواب في قرارها لأنها لم تراع التعديلات القانونية الجديدة التي تمنح من كان متهما في قضية سياسية الحق في الترشح للانتخابات بمجرد انتهاء فترة عقوبته وأعملت المواد القانونية القديمة بحق المرشحين المستبعدين ومن بينهم المرشحون الأكراد خطيب دجلة وليلي زانا وجولتان كاشناك وصبحات تونجل الذين مرت علي أحكامهم سنوات طويلة وأمضوا العقوبات عنها بالفعل.
كما يدفع محامو المرشحين الأكراد المستبعدين بأن الهيئة ارتكبت مخالفة بأن أعلنت أسماء المستبعدين قبل المدة القانونية المحددة لذلك وقبل أن تعلن قوائم المرشحين أولا ثم تعلن قائمة المستبعدين.
وفي ضوء هذه المشكلة تبرز ثلاثة سيناريوهات رئيسية اثنان منها يقودان للحل والثالث يعقد الأمور,أولها أن تتراجع اللجنة عن قرارها,والثاني أن يعقد البرلمان جلسة استثنائية تضع من التعديلات القانونية ما هو كفيل بإنهاء هذه الأزمة,أما السيناريو الثالث فهو ألا يتحقق السيناريو الأول والثاني وأن يقاطع الأكراد الانتخابات وتدخل تركيا دائرة من العنف والفوضي في فترة حرجة تمر بها منطقة الشرق الأوسط بحالة عدم استقرار.
وسيؤدي هذا السيناريو الأخير من وجهة نظر المراقبين والمتابعين لتطورات قرار الهيئة العليا للانتخابات إلي التأثير علي استقرار تركيا ووضعها في المنطقة وتحجيم دورها في الوقت الذي يتمدد فيه النفوذ الإيراني بسرعة.