شرعت وزارة التربية والتعليم في عدة سياسات وخطط لتطوير العملية التعليمية بجميع عناصرها, لإعادة الانضباط والانتظام للعملية التعليمية, هذا فضلا عن السياسات المنتهجة لضرب مناطق الفساد واسترجاع العديد من الأموال المهدرة إلي خزينة الدولة.. نجحت الوزارة في بعض هذه السياسات ولم يحالفها الحظ في استكمال الجزء الأكبر منها كما سنري في التقرير التالي.
** تم تأجيل تطبيق نظام الثانوية العام الجديد للعام الدراسي 2013/2012 علي أن تتخرج منه أول دفعة من الثانوية الجديدة بنهاية عام 2015/2014, وذلك لكي تستقر وزارتا التربية والتعليم والتعليم العالي علي الشكل النهائي للنظام الجديد, ولإعطاء فرصة للمزيد من دراسة بنود المشروع, بالإضافة إلي الانتهاء من تطوير المدارس الثانوية, كما قررت الوزارة تحديد مادتين للتقويم الشامل وأنهما لا يدخلان ضمن امتحان الثانوية.
** قررت وزارة التربية والتعليم تجديد المناهج الدراسية بشكل دوري يتراوح من 3 إلي 5 سنوات دراسية لكي تواكب التغيرات العلمية والاقتصادية, كما أعلنت الوزارة أنه سيتم حذف الحشو الزائد في الكتب الدراسية, وقد تم بالفعل وصول بيانا بالمحذوفات من جميع الفصول الدراسية لموجهي الأقسام بالإدارات التعليمية بالمحافظات.
** عن تنقية مناهج التربية الدينية صرح الدكتور أحمد زكي بدر وزير التربية والتعليم أنه من الضروري أن تكون مناهج التربية الدينية بعيدة تماما عن أية تفسيرات خاطئة, وألا تحتوي علي العبارات التي تحض علي التطرف والعنف, مؤكدا أنه تم إرسال المناهج إلي كل من مفتي الديار المصرية وقداسة البابا شنودة لمراجعتها, ولكن لم تشهد الساحة التعليمية أي تطور ملموس في هذه النقطة زيادة عن تلك التصريحات أو تلك المبادرات.
بالنسبة للفساد..
شرعت الوزارة في إعادة الكثير من الأموال التي كانت تصرف بغير حق وفي إطار عمليات وهمية لتطوير التعليم والمناهج وإعادتها إلي خزينة الدولة, كما شرعت في مواجهة ملف الفساد بالمدارس القومية وأعلنت أن تطبيق قرار تحويل المدارس القومية إلي تجريبية سيتم بشكل فردي علي بعض المدارس المخالفة من الـ39 مدرسة وليس الكل رغم صدور حكم قضائي بوقف تنفيذ القرار لعدم قانونيته, وتتبع الوزارة سياسة ذات بعدين تجاه هذه المدارس البعد الأول هو اللجوء إلي تغيير مجلس إدارتها في حالة المخالفات البسيطة, أما في حالة المخالفات المالية التي لا يمكن التغاضي عنها فتقوم الوزارة بتحويلها إلي مدارس تجريبية, وقد أكد الوزير أن المدارس القومية يوجد بها العديد من المخالفات المالية والإدارية حتي بعد حل مجلس إدارتها.
وفي دراسة عن حال التعليم في مصر قامت بها وزارة التربية والتعليم بالتعاون مع هيئة المعونة الأمريكية تم تحديد 29 مؤشرا عالميا لمقارنتها بالدول المتقدمة والنامية وكذلك داخل مصر وبين كل محافظة وأخري, وأكدت الوزارة أن بعض المؤشرات تعطي بعض الأمل, ومن أمثلة ذلك أن نسبة الاستيعاب في مصر تصل إلي 95% بينما النسبة العالمية هي 69% وقال إن السياسات التي تم تطبيقها أحدثت طفرة في الاستيعاب.
كشفت الدراسة عن وجود تباين في توزيع المخصصات المالية علي المديريات, فيوجد محافظات تنفق علي الطالب في مدارسها 6 آلاف جنيه سنويا, في حين يبلغ المتوسط العام لإنفاق الحكومة علي الطالب 1765 جنيها في السنة, ووعدت الوزارة بأنها ستعيد توزيع موازنة الوزارة لعلاج هذا الخلل.
** حول طرق تصحيح الورقة الامتحانية
أعلنت الوزارة إدخال نظام تصحيح إلكتروني بامتحانات الثانوية العامة المقبلة لتفادي أخطاء التصحيح, وكانت امتحانات العام الماضي قد شهدت وقوع أخطاء في تصحيح 1196 ورقة إجابة حسب آخر إحصاء صدر عن وزارة التعليم, ولكن قررت الوزارة تأجيل الموافقة علي تطبيق مشروع التصحيح الإلكتروني لأوراق امتحانات الطلاب في المراحل التعليمية الثلاثة رغم نجاح التجربة في تصحيح 50 ألف ورقة إجابة لطلاب من الصفين الرابع الابتدائي والثاني الإعدادي أدوا خلال شهر أبريل امتحانا قوميا في 3 مواد هي اللغة العربية, والرياضيات والعلوم, وقد أسفرت التجربة عن الانتهاء من تصحيح أوراق الإجابات دون تدخل العنصر البشري في مرحلتي تصحيح السؤال أو جمع الدراجات, ليقتصر تواجده علي الأسئلة المقالية, ولم تعلن الوزارة عن أسباب عدم الموافقة علي تطبيق التجربة.
** بالنسبة لملف الاعتماد والجودة
أعلنت الوزارة مؤخرا عن أهمية مشروع تأهيل المدارس للجودة وأن مصر بها 45 ألف مدرسة تؤهل للجودة في خطة زمنية تم تأهيل نحو 700 مدرسة حاليا, وعلي الأقل يتم تأهيل ألف مدرسة سنويا.
وفي تقرير صادر عن الهيئة القومية لضمان جودة التعليم والاعتماد أشار إلي أن هناك 1043 مدرسة تقدمت للحصول علي الاعتماد والجودة منذ عام 2008 وحتي الآن علي مستوي 9 محافظات نجح منها 399.
كما صرحت هيئة جودة التعليم بأنها ستحرم المدارس التي تقع بها أحداث تحرش جنسي من الحصول علي شهادة الاعتماد والجودة بما قد يهدد بغلقها بعد انتهاء مهلة التقدم للهيئة بملفات الجودة.
** راعت الوزرة ضبط نسبة الغياب
اتخذت الوزارة عدة إجراءات في محاولة ناجحة لإعادة الانضباط للعملية التعليمية ومنع هروب وتغيب الطلبة مثل اتخاذ الإجراءات القانونية ضد الطلاب المتغيبين, وحرمان الطالب المتجاوز نسبة غياب 20% من الامتحانات, وإقرار الغرامة المالية للطالب المتغيب.
تقييم سياسات الوزارة في إصلاح التعليم
امتدح د. كمال مغيث الخبير والباحث بالمركز القومي للبحوث التربوية بعض سياسات وزارة التربية والتعليم الحالية في إعادة الانضباط إلي العملية التعليمية وتحجيم هروب وتسرب الطلبة بشرط وجود إجراء رادع للغياب ووجود مبرر لبقاء الطالب بالمدرسة, وأيضا ما يتعلق بسياسة الوزارة تجاه محاربة الفساد وملف التسيب المالي والإداري, كما أكد ثقته بأنه لا يوجد تدخل أي أجنبي في تطوير المناهج الدراسية من خلال دراساته وأبحاثه واحتكاكه بمركز المناهج.
أما عن السلبيات فقال إن سياسات الوزارة الحالية لتطوير العملية التعليمية بكافة عناصرها لن تنجح بسبب ارتباط فكر تطوير التعليم بأربع سمات أدت إلي تدهوره وهي: إن التعليم في مصر رخيص فهو صناعة ثقيلة تحتاج إلي تمويل مالي كبير في حين أن نصيب الطالب من التعليم لا يتجاوز الـ2000 جنيه سنويا وهذا لا يحقق تعليما جيدا, كما أن التعليم في مصر بسيط للغاية قائم علي الحفظ والترديد والتلقين, فالطالب عليه تعلم وحفظ ما تمليه عليه الوزارة من معلومات علي المعلم الالتزام بالمنهج المقرر, كما أنه تعليم آمن فالوزارة تنظر لعقول الطلاب علي أنها كمبيوتر بسيط بحيث تدرس منهجا تقليديا لتضمن مخرجات بفكر معين.
رباعية التعليم هذه تؤدي إلي التطرف الفكري فهي لا تتيح للطالب التفكير النقدي أو الابتكار أو التفكير في البدائل.. وهكذا فلا يعد الطالب أن تكون الأمور نسبية ولا يعرف المرونة وقبول الآخر المختلف عنه وهنا يتحول إلي متعصب ومتطرف, كما أنها تدرب الطالب علي فكرة الطاعة العمياء, ويأتي التطرف من المقررات الدراسية التي تمتلئ بما يحض علي التطرف وآخر مصدر للتطرف بعض المعلمين من المتطرفين الذين يبثون ثقافة التطرف في روح الطلاب, ولن تنجح مشروعات التطوير التعليمي إلا إذا راعت هذه الركائز الأربع للإصلاح.
التربية الدينية حائرة!!
أما بخصوص تصريحات الوزارة بشأن تنقية مناهج التعليم بما يحض علي الكراهية والتطرف فقال د. كمال مغيث: إنه ليس من حق الوزير أن يذهب بالتربية الدينية للمفتي والبابا لأنها مؤسسات دينية لها نظامها ولها قوانينها في الإفتاء البعيدة تماما عن إعداد مناهج التربية الدينية, كما أن قانون التعليم يلزم الوزارة بأنها المنوطة بإعداد جميع المناهج وليس من حق أية جهة أخري, هذا بالإضافة إلي أن التعليم مدني ويجب أن يتناسب مع ثقافة الدولة المدنية ولا يتعارض مع حقوق الإنسان والمواطنة.
وعن إزالة الحشو من المناهج قال د. كمال مغيث: إن هذه العملية لا تنم عن تطوير حقيقي وناضج للمناهج, فأظن أن فكرة الحشو غير واضحة فهل حذف درس أو درسين أو بعض صفحات يسمي بإزالة الحشو؟؟ فالموضوع ليس بهذه البساطة فهو مرتبط بما يجب أن تعلمه وما يجب أن يتكون من مخرجات تعليمية, فيوجد أجزاء من الكتاب للقراءة وأخري للاسترشاد وثالثة للتطبيق العملي, مما يؤكد أن الوزارة تمتلك الآليات الصحيحة للإصلاح.
وعن تحديد مدي زمني يتراوح ما بين 3: 5 سنوات لتطوير المناهج قال د. كمال مغيث هناك معايير أخري تتحكم في المدة الزمنية لتطوير المناهج فهناك مقررات علمية يجب أن تتطور كل سنة لمواكبة التغير السريع في التطور العلمي ولو تم تطويرها كل 3 سنوات ستكون مناهج متخلفة أما مقررات النحو والتاريخ مثلا فلا مانع من هذه المدة.
جودة التعليم والكتاب المدرسي
وصفت الهيئة القومية لضمان جودة التعليم والاعتماد الكتاب المدرسي بالركاكة وضعف المحتوي وتنافر الألوان ورداءة الطباعة والتجليد وذلك في وثيقة أصدرتها الهيئة تضم معايير لجودة الكتاب, وأكد د. مجدي قاسم رئيس الهيئة علي أهمية معايير جودة الكتاب المدرسي في ضوء المشكلة الأخيرة القائمة بين وزارة التعليم ودور النشر بسبب الكتب الخارجية, حيث تنفق الدولة ملايين الجنيهات علي إعداد وطباعة الكتاب المدرسي الذي يأتي غالبا دون المستوي ويستغني عنه الطلاب لصالح الكتب الخارجية.
اتفق د. كمال مغيث مع وصف هيئة الجودة المصرية للكتاب المدرسي بالركاكة وضعف المحتوي ورداءة الألوان ولكنه انتقدها بشدة فلا توجد نقطة التقاء بين الجودة والوزارة, مشيرا إلي التلاعب في الإحصاءات التي تعتمد عليها الحكومة لإبراز تدريبها لعدد من المعلمين طبقا لنظام الجودة ونشر أرقام غير حقيقية, وأن دخول 700 مدرسة من واقع 54 ألف مدرسة علي مستوي الجمهورية منذ 2008 يؤكد ضعف نسبة المدارس المتقدمة المتقدمة للجودة بالنسبة لعدد المدارس الفعلي علي مستوي الجمهورية, وضعف مستوي المدارس الحاصلة علي الجودة بالمقارنة بعدد المدارس المتقدمة فعليا.
رحب د. كمال مغيث بتحديد كثافة الفصل بـ40 طالبا ولكنه شكك في مدي قدرة الدولة علي تحقيق هذا الأمر, فالموضوع متعلق بالإمكانيات ومدي دقة الإحصاءات التي تحدد مستوي الكثافة الفعلية, كما شكك في أن نسبة الاستيعاب التعليمي في مصر تصل إلي 95% متسائلا وماذا عن التسرب وعمالة الأطفال وأطفال الشوارع؟؟ كما أن الأطفال تحت خط الفقر لا يدخلون المدرسة وإذا التحقوا لا يستمرون ويتسربون من أول سنة.
قال د. كمال مغيث فشلت الوزارة في التعامل مع ملف دور النشر وتأخر طبع الكتب المطورة, ولم تستطع منع تراخيص النشر وخسرت القضية التي رفعتها دور النشر لمقاضاة وزارة التربية والتعليم وأرجع هذا الفشل إلي أن معظم قرارات الوزير لا تكون مدروسة قانونيا فمعظمها انتهت بأن القضاء رفضها مثل قرارات الفصل التعسفية وموضوع المدارس القومية وإلغاء مرتبات وحوافز المدرسين, كما أن الكتاب المدرسي لا يؤدي نفعا للطالب, لأن الامتحانات تعتمد علي الكتاب الخارجي.
قال د. كمال مغيث يحسب للوزارة أيضا محاربة إهدارالمال العام ومحاربة الفساد ولكن بشرط أن يكون في محله, ومن جهة أخري ألا يكون علي حساب الحقوق الطبيعية للناس, وأن يتم الاستفادة من هذا المال المتوفر في تطوير التعليم ولا تدخل في ميزانية الدولة أو تذهب إلي وزارة أخري.