أنطون سيدهم .. وقضايا التعليم
إن ما يجري في وزارة التعليم منذ ما يقرب من سنتين, أي منذ تولي الدكتورفتحي سرور أمر هذه الوزارة, لهو في حقيقته عملية تخريب كاملة للتعليم في مصر, أن نتائجه وخيمة وستتسبب عنها مآس من الصعب تقدير مداها بالنسبة لمرفق مهم كالتعليم ينبني عليه مستقبل الشباب.
إن إلغاء الفترة الثالثة بجرة قلم, بدون روية أو دراسة جادة أو متأنية لما سيحدث للأعداد الكبيرة لطلاب الفترة الثالثة, والذين يقدر عددهم بعشرات الألوف.. إن لم يكن مئات الألوف -إذ بكل أسف ليس لدينا إحصاءات دقيقة لهم- يؤدي إلي نتيجة حتمية هي توزيعهم علي الفترتين الأولي والثانية.. فبالرغم من تكدس التلاميذ في الفصول في هاتين الفترتين فقد جاء توزيع طلاب الفترة الثالثة عليهما مأساة لا يمكن تصورها, إذ زاد عدد الطلبة بكل فصل علي ثمانين طالبا, بل وفي حالات كثيرة وصل عدد طلبة الفصل إلي أكثر من مائة طالب, مما جعل عملية التعليم صورية, لعدم سيطرة المدرس علي فصل به مثل هذا العدد الضخم من الطلبة.. وبذا يمكننا أن نقول إن تعليم أولادنا بالمدارس الحكومية لا جدوي من ورائه.
ثم جاء الوزير بقراره العجيب بجعل التعليم الابتدائي خمس سنوات, بدلا ست سنوات, وبذا فإن تلاميذ الفصلين الخامس والسادس الابتدائي سينقلون هذا العام إلي الفصل الأول الإعدادي, الذي يجب أن يستوعب ضعف العدد المعتاد سنويا.. كل هذا يتم دون أن تجهز الأماكن اللازمة لهذا العدد المضاعف في السنة الأولي الإعدادية علي مستوي الجمهورية.. وأيضا إعداد المدرسين اللازمين لهذه الجموع, وبالتالي تتكدس هذه الأعداد في السنوات التالية حتي إنهائها للدراسة الإعدادية, ثم انتقالها إلي السنوات الثلاث الثانوية, كيف سيتم استيعاب هؤلاء التلاميذ طوال فترة دراستهم الإعدادية والثانوية, ثم هجومهم علي التعليم الجامعي..؟
هذه السياسات الارتجالية غير المدروسة في التعليم, هي عملية خطيرة للغاية, وأن نتائجها خطيرة ولا يصح السكوت عليها.. أين خبراء التعليم الذين يجب أن يكتبوا ويوضحوا لنا محاسن ومساوئ هذه السياسات, والنتائج التي ستترتب عليها, والإساءات التي ستتحملها الأجيال القادمة نتيجة هذه الأنظمة العشوائية..؟
لقد كتبت منذ ثلاثة أسابيع تحت عنوان : لا.. يا وزير التعليم.. منبها السيد الوزير إلي خطورة ما أعلنه سيادته في ندوة نادي اليخت في الإسكندرية.. إن قانون إعادة تنظيم التعليم الأساسي يهدف في ثناياه إلي تغيير نظام الثانوية العامة, بحيث تصبح مرحلة منتهية, ولن تصبح جواز مرور إلي الجامعة.. وسوف تعقد الجامعات امتحانات للقبول بها..
لقد أوضحت في مقالي السابق خطورة هذا الاتجاه, ألا وهو أن يكون القبول في الجامعات بناء علي اختبارات تجريها بمعرفتها, وبين مدي ما يشوب امتحانات بعض الكليات من مآخذ تجعل الثقة في نتائجها معدومة, بل وغير مقبولة, مما يصيب الجميع بالإحباط وخيبة الأمل, واليأس من المساواة, وتكافؤ الفرص, الذي كان يجب أن يكون هو الأساس والهدف في نتائج التعليم الجامعي في مصر.
وبعد مضي أكثر من أسبوع علي مقالي السابق, وما كنت أنتظره من تراجع السيد الوزير عن مشروعه الهدام الذي نادي به في الإسكندرية, تخرج علينا جريدة الأخبار بعددها الصادر يوم الأربعاء 1988/7/27, بحديث مع السيد الوزير عن القبول بالجامعات هذا العام, يقول فيه: لقد طلبت من الهيئة الفنية بالمجلس الأعلي للجامعات دراسة نظام القبول بالجامعات في ضوء القانون الجديد للتعليم الذي اعتبر الثانوية العامة مرحلة منتهية.. ومعني هذا أن السيد الوزير مازال مصمما علي إلغاء اعتبار الدرجات التي يحصل عليها الطالب في امتحان الثانوية العامة أساسا للقبول في الجامعات, ولكل جامعة أن تقيم امتحانا لمن يرغب في الالتحاق بها..
إن ما ينادي به السيد الوزير لهو مأساة عنيفة ستحيق بالتعليم الجامعي في مصر, لا نعلم مدي ما ستصل إليه.. إن النتيجة ستكون وبالا علي مستوي الطلبة الذين سيدخلون هذه الكليات, كما ستصيب الطلبة وعائلاتهم بالقلق واليأس مما قد يحدث في هذه الاختبارات من محاباة أو تعصب قد يودي بمركز التعليم في مصر.. إن الخيال لن يصل بالسيد الوزير إلي النتائج المأساوية التي ستصيب التعليم نتيجة لقراراته وأنظمته العشوائية وغير المحسوب نتائجها وتفاعلاتها مع المجتمع المصري البائس..
والله يهدي سيادة الوزير سواء السبيل..