أحد أدوات الاستبداد في السيطرة علي الشعوب وخاصة في منطقتنا العربية هو عزل الشعب عن التماس حقوقه الدولية عبر الخلط بين التدخل الدولي والتدخل الاجنبي, وهم يستخدمون مساحة واسعة من أدوات الارهاب تبدأ بالتخويف ولا تنتهي بالتخوين والعمالة.وصل الخوف في بعض الفترات لدرجة ارهاب الناس حتي من سماع الإذاعات الاجنبية لمعرفة الأخبار الصحيحة كما كان يحدث في عهد عبد الناصر, وهم هنا لا يعزلون الناس عن ألتماس حقوقهم الدولية وإنما يعزلونهم حتي عن معرفة الحقيقة, وهو سلوك متبع حتي الآن من قبل الأنظمة الفاشية بحجب الكثير من مواقع الانترنت أومنع دخول جريدة معينة او حتي مصادرة عدد من جريدة من أجل مقالة او منع أستقبال اذاعة محددة او فضائية محددة. يستخدم الفاشيون في ذلك الاعلام والمؤسسات الدينية لتشويه صورة الخصم, أحيانا لاغتياله اجتماعيا ومعنويا وأحيانا أخري تمهيدا لمحاكمته قانونيا عبر أنظمة قانونية تحمل تعريفات مطاطة وغير محددة لإشياء كثيرة مثل الإساءة للاديان أو التأثير علي القيم الاجتماعية وتمتد للخيانة الوطنية والاتصال باعداء الوطن.مع مرور الوقت تتصلب الشرايين الفكرية للشعوب ويصبح هناك تفكير جمعي يلتهم أبناءه المبدعين والمفكرين والمصلحين وكل العقليات الخلوقة في كافة المجالات.وبمرور الزمن تصاب هذه الشعوب بالجمود لانها لا تحرم فقط من ابداعات الفكر الانساني وأنما ايضا تصادر ابداعات أبنائها حتي تضمر تدريجيا هذه القوي المبدعة. وهنا يصدق القول إن الشعوب تستحق حكامها.
علي ان أخطرالأمور هو مصادرة حق الشعوب في حقوقها التي يكفلها لها القانون الدولي والمواثيق الدولية وحتي المساندة الدولية التي تأتي من المجتمع المدني الدولي والرأي العام الدولي.
في نظريات نشأة الدولة هناك نظرية ##العقد الاجتماعي## التي تفترض أن نشأة الدولة القومية نتاج عقد مفترض بين الحاكم والمحكومين وأي إخلال بهذا العقد يترتب عليه النظر في هذه العلاقة التعاقدية بتغيير الحكام.
علي نفس السياق يمكن إفتراض وجود ##عقد دولي## بين النظام الذي يمثل شعبه وبين المجتمع الدولي ممثلا في منظماته الدولية التي تتجسد في المواثيق الدولية والقانون الدولي والنظم واللوائح الدولية.والعقد هنا حقيقي وليس افتراضيا,فبمجرد توقيع الدولة علي المواثيق الدولية تصبح ملتزمة بها أمام المجتمع الدولي.
والمنظمات الدولية هنا لا تمثل فقط المجتمع الدولي وانما أيضا الشعوب في مواجهة الحكام,فقد يتعدي النظام الحاكم علي أحد افراد المجتمع الدولي من الدول أو قد يتعدي علي حقوق شعبه التي قررتها هذه المواثيق.وإذا وقعت الدولة علي هذه المواثيق أو لم توقع فيمكن للمجتمع الدولي ان يتخذ إجراء ضدها ممثلا للأغلبية الدولية, فعدم التوقيع لا يعطي الحق للنظام الحاكم أن يعتدي علي أحد أفراد الاسرة الدولية أو ينتهك بفظاعة حقوق شعبه, فهو في هذه الحالة يستوجب ##التدخل الدولي## ضده مثل ما حدث في دارفور مثلا. علي أن هناك عقدا آخر يمكن تسميته بـ##العقد الانساني الدولي## , وهو بين الشعوب بعضها البعض عبر تفاعلات كثيرة منها المجتمع المدني الدولي والرأي العام الدولي ويشتمل هذا علي مساحة واسعة من أدوات الدعم تمتد من ##التعاطف الدولي## إلي ##المساندة الدولية## والتي تؤثر بدورها علي التدخل الدولي.
إن من حق الفرد العادي الآن أن يشتكي دولته أمام الأمم المتحدة, ولكن ميثاق الأمم المتحدة يحتاج إلي إعادة صياغة لتطوير حقوق الشعوب في مواجهة الحكام. ميثاق الامم المتحدة صمم لدعم الدولة القومية وسيادتها, ولكن مفهوم السيادة التقليدي أصبح بدوره عبئا علي حقوق الأفراد. إن سيادة المواطن يجب أن تكون أساس سيادة الدول والعمود الفقري لمفهوم السيادة الحديث.
إن الأمم المتحدة تقف عاجزة امام التطور الذي احدثه المجتمع المدني الدولي وثورة الاتصالات الدولية , وتقف عاجزة عن التدخل الحاسم لمساندة الشعوب في مواجهة جلاديها,كما أن طريقة التصويت في الجمعية العامة للامم المتحدة تخلق نوعا من التكتلات بين الدول الفاشية لعرقلة اتخاذ قرارات جادة ويمتد ذلك إلي الهيئات التي تتبع الجمعية العامة مثل مجلس حقوق الإنسان بجنيف.
يفترض أن الشعب هو الحارس للعقد الاجتماعي, ولكن ماذا لو فشل الشعب في تغيير حاكمه الذي انتهك بجسامة هذا العقد؟ ماذا كان في مقدور الشعب العراقي أن يفعل في مواجهة صدام؟ وماذا يمكن أن تفعل الاقليات في مواجهة أغلبية تضطهدها وحكومات تدعم أو تتواطأ أو لا تتخذ أي إجراء لوقف هذا الاضطهاد؟, وما هو الحل إذا تواطأ المجتمع الذكوري حكاما ومحكومين ضد حقوق المراة؟.
وحتي لا نخضع لإرهاب وابتزاز الأنظمة الفاشية وارهابها الفكري والمعنوي والتضليل الذي تبثه عبر وسائل إعلامها يجب أن نفرق بوضوح بين التدخل الدولي والتدخل الأجنبي.
فأولا: التدخل الأجنبي ارتبط في المنطقة العربية بالاستعمار سواء ما تسمي بحروب الفرنجة المعروفة إعلاميا بالحروب الصليبية أو موجة الاستعمار التي احتلت المنطقة في النصف الأول من القرن العشرين, أما التدخل الدولي فارتبط بتحرير الشعوب من الاستعمار عبر مبادئ ولسن الأربعة عشر ومنها حق كل شعب في تقرير مصيره, والتي كانت أساس قيام عصبة الأمم ثم الأمم المتحدة لاحقا.
ثانيا: التدخل الأجنبي ارتبط بنهب ثروات الشعوب أما التدخل الدولي فارتبط بمساعدة الشعوب.
ثالثا: التدخل الأجنبي في الغالب ثنائي النزعة, أما التدخل الدولي فهو متعدد الأطراف, وحتي ولو كانت هناك مصلحة خاصة لدولة معينة في هذا التدخل إلا إنه يتم في إطارتعددي ويتفق مع القانون الدولي والمواثيق الدولية.
رابعا: التدخل الأجنبي إنفرادي ذو مستوي واحد, أما التدخل الدولي فهو متعدد المستويات عبر المنظمات الدولية, أو المنظمات الاقليمية بين أعضائها.
خامسا: التدخل الدولي يعطي الحق لأي دولة عضو في الأمم المتحدة أن تتدخل عبر المنظمة الدولية للاحتجاج وإدانة أي إنتهاك لمقرارات ومواثيق الأمم المتحدة في دولة أخري ولا يعد ذلك تدخلا في الشئون الداخلية للدول, فكل دولة عضو في الأمم المتحدة هي من المفترض بمثابة حارس لميثاقه ومقراراته واتفاقياته.
بل إن تصنيف الأمم المتحدة لجماعة ما علي أنهم أقلية هو نوع من التدويل, لأن اي انتهاك لحقوق هذه الاقلية هو إنتهاك لاعلان الأمم المتحدة لحماية الاقليات والمواثيق الاخري في هذا الشأن يستوجب احتجاج وتدخل الأمم المتحدة عبر آلياتها المختلفة.
سادسا:التعاطف الدولي والمساندة الدولية هي بدورها تختلف عن التدخل الأجنبي, لإنها مرتبطة بالتفاعل الدولي بين المجتمع المدني عبر الحدود والراي العام وتعاظم دور الهجرة الدولية وثورة التكنولوجيا الحديثة. فهل يمكن مثلا تصنيف غضب الرأي العام الدولي علي المذبحة التي ارتكبها بحماقة البوليس المصري ضد اللاجئين السودانيين العزل علي إنه تدخل أجنبي؟ الإجابة طبع لا , فهذا واجب أنساني قبل كل شئ.
سابعا:##الوساطات التأثيرية## هي أيضا مشروعة إذا صبت في دعم حقوق الفرد والأقليات والشعوب في مواجهة حكامها, فتعاظم دور الهجرة الدولية ,وما ترتب علي ذلك من جنسات مزدوجة, أعطي للمهاجرين دورا في التدخل الايجابي عبر وساطات تأثيرية مثمرة تجاه وطنهم الام, كما حدث مثلا في مشكلة ايرلندا في عهد كلينتون. وهذا بدوره يختلف عن التدخل الأجنبي.بل أن ##الضغوط الدولية## المتبادلة بين أعضاء المجتمع الدولي بشكل ثنائي مشروعة إذا كانت تصب في دعم الحريات والديموقراطية وحقوق الإنسان . علي سبيل المثال يربط نظام المساعدات الأمريكية علي احترام الدول المتلقية للمساعدات لحقوق الأنسان في أراضيها,فاذا طالب المهاجرون لأمريكا من حكومتهم تفعيل هذا القانون بالنسبة لدولة تتلقي هذه المعونات ولا تحترم حقوق الإنسان فهل يعتبر هذا تدخل أجنبي؟.
إذن فالتدخل الدولي مشروع تماما بمشروعية القانون الدولي والمواثيق الدولية وعضوية المنظمات الدولية واقتسام المعيشة علي كوكب واحد.
والتدخل الدولي قد يحدث لتحرير دولة من إحتلال دولة أخري كما حدث في الكويت عام 90, أو لتحرير دولة من هيمنة دولة أخري كما حدث في لبنان 2005, أو لحماية جماعة دينية أو عرقية مضطهدة كما حدث في البوسنة وكوسوفو ودارفور , بل وحتي لإجراء تحقيق في قضية جنائية فردية كما حدث في لجنة ميليس التي تحقق في اغتيال رئيس الوزراء السابق رفيق الحريري, وهو بالمناسبة كان فردا عاديا لحظة اغتياله ولم يكن رئيسا لدولة أو حكومة ,أو التحقيق في اغتيال بينظير بوتو في باكستان.