في 4 نوفمبر 2001 وبمناسبة مرور ثلاثين عاما علي جلوسه علي كرسي مارمرقس كتبت في جريدة وطني مقالا بعنوان ## البابا شنودة معلم الشعب## وقلت وقتها إن أفضل وصف يمكن أن يدخل به قداسته التاريخ الكنسي بجدارة هو ## معلم الشعب##, والآن وقد غادر قداسة البابا شنودة عالمنا إلي مواضع النياح والراحة والفرح أعيد التأكيد علي أن هذا هو أنسب القاب قداسة البابا ويترجم أهم إنجازاته منذ أن كان أسقفا للتعليم, وهو تعليم الرعية والوصول للناس العاديين في كل مكان.
البابا شنودة يمكن أن يوصف بأشياء كثيرة, فهو الفيلسوف, والكاتب غزير الانتاج, والمثقف الموسوعي, والوطني النبيل بل وضمير الوطن,والواعظ المفوه, والثائر في الحق, والوديع الهادئ, والمتأمل العميق, والناسك الروحاني, وفم الذهب, والقديس, وشاعر النسكيات ,والقائد الحازم, والأب الحنون,والصامد الصابر,وسجين الضمير كما وصفته منظمة العفو الدولية…. ولكن رغم كل هذا يبقي لقب معلم الشعب هو الأفضل والأنسب لماذا؟.
أولأ: لأن قداسة البابا هو أول أسقف في تاريخ الكنيسة للتعليم وللمعاهد الدينية والتربية الكنسية, وهو أيضا الأسقف الوحيد أيضا الذي أخذ هذه الرتبة في تاريخ الكنيسة كله.
ثانيا: إن قداسة البابا شنودة كان حساسا جدا لمسألة التعليم والرعاية الروحية ويعتبرها مهمة البطريرك الرئيسية, وخاصة التعليم الأرثوذكسي الصحيح والمسلم من الرسل, ولهذا كان يخشي دائما أن يكون مقصرا من ناحية أداء هذه المهمة وتوصيلها إلي كل فرد في رعيته.
ثالثا:أنا لا أعرف ولا أتذكر في التاريخ القبطي كله بطريرك قام بكل هذا المجهود المكثف من العمل التعليمي بقدر ما أعرفه عن قداسة البابا شنودة, فعلي مدي خمسة عقود منذ رسامته أسقفا للتعليم في 30 سبتمبر 1962, قام بمجهود خرافي من أجل نشر التعليم عبر كافة الوسائل, سواء الوعظ أو الكتابة والنشر أو الصحف والمجلات أو التليفزيونات أو شرائط الكاسيت, أو الأقراص المدمجة, أو الإذاعة عبر الإنترنت, أو الانتشار في الفضائيات المسيحية, أو الاهتمام بالمعاهد التعليمية. فقد بدأ النشر في مجلة الحق عام 1947, وفي سنة 1949 أصبح رئيسا لتحرير مجلة مدارس الأحد حتي رهبنته في يونية .1954في يناير 1965 أصدر العدد الأول من مجلة الكرازة والتي رأس تحريرها حتي انتقاله بسلام إلي الأبدية. ومنذ عام 1966 أيضا وهو يكتب مقالا أسبوعيا رئيسيا في جريدة وطني وحتي نياحته. إضافة لمقال أسبوعي بجريدة الأهرام, وكتب أيضا فترة من الزمن مقالا أسبوعيا لجريدة الجمهورية. هو أيضا أكثر بطريرك في تاريخ الكرازة يزور رعاياه في كافة دول العالم التي يوجد بها أقباط ويباركهم ويعظهم ويجيب علي أسئلتهم. أيضا كان يلتقي بالشعب يوم الجمعة إسبوعيا في محاضرة حاشدة ويوم الثلاثاء في محاضرة لطلبة الإكليريكية, وبعد عودته من العزل في دير أنبا بيشوي تغير يوم الجمعة إلي يوم الأربعاء. هو أيضا المؤلف الذي كتب حوالي مائتي كتاب تناولت كافة أوجه النواحي الدينية, وهو أيضا المحاضر في العديد من الندوات والمؤتمرات والمقابلات الإعلامية رأفعا مبدأ تبسيط التعليم وتعميق المعاني وشمولية المنهج وعمق الرسالة مع تكثيف استخدام آيات الكتاب المقدس.
رابعا: ارتقي البطريرك بمستوي تعليم الكهنة إلي أقصي مدي, فكان يحاول اختيار الأفضل تعليما والأكثر إيمانا والمحبوب والمرشح من شعبه, وقد أحدث قداسته نقلة نوعية فيما يتعلق بتعليم الكهنة.
خامسا: هو أيضا الحاصل علي جائزة أفضل معلم وواعظ في العالم للدين المسيحي لسنة 1987 من مؤسسة بروننج الأمريكية, وأكثر معلم وواعظ يستخدم آيات الكتاب المقدس أيضا .
سادسا: كان البابا شنودة أحد أعمدة مدارس الأحد منذ تأسيسها وعضوا في لجنتها العليا, وكان أقرب تلاميذ المعلم العظيم حبيب جرجس والذي كتب عنه بعد نياحته مقالا مؤثرا بعنوان ## حبيب جرجس رائد التعليم الديني في جيلنا##, وقد أستلم قداسة البابا الريادة من حبيب جرجس وتوسع وأكمل ما بدأه بشكل غير مسبوق, وهو أيضا تأثر كثيرا بوداعة وطريقة حبيب جرجس وروحه المرحة المحبة للجميع.
سابعا:البابا الوحيد في تاريخ الكرازة المرقسية الذي حصل علي هذا العدد الكبير من الدكتوراه الفخرية علي سبيل المثال من بلومفيلد بنيوجيرسي(21ابريل 1997), وسان بيتر بجرسي سيتي(22 مايو 1977),وسان فانسان(28 سبتمبر 1989),وبون (17 نوفمبر 1990), ونورث بارك بشيكاغو (30 ابريل2001),وناشوتا هاوس بوسكنسن (2 مايو2001), وتوليدو بأوهايو (30 اغسطس2002).
ثامنا: هو أيضا الذي وسع خدمة الرعاة والرعية ليشمل 116 أسقفا رسمهم بيديه الطاهرتين وأكثر من 3 آلاف كاهن وأكثر من 400 كنيسة حول العالم وفي قاراته الستة, وذلك بخلاف الكنائس في مصر, وفي كل هذه الأحداث دشن وعلم ووعظ وأرشد ونصح وشجع واحتضن وساند, وشق طرقا للرعاية والتعليم وسط المشاكل الكثيرة , وكان له كلمة شهيرة لمن يشتكي له من معوقات ومشاكل هي ## خليك في الطرق السالكة##, ناصحا الجميع بتجاوز المشاكل بالإنجازات وتراكم العمل الذي يجعل الإنسان ليس لديه وقت للمشاكل.
تاسعا: خرجت من البطريرك مئات الجمل التعليمية القصيرة, ولا يتسع المجال, والتي تعتبر كل منها عظة متكاملة مكثفة منها ##كل فضيلة خالية من الحب لا تحسب علي الإطلاق فضيلة##,## إن كنت لا تستطيع أن تحمل عن الناس متاعبهم فعلي الأقل لا تكن سببا في اتعابهم##, ##الجسد حتما سينتهي فياليته ينتهي من أجل عمل صالح##, ##إن ضعفت يوما فأعرف أنك نسيت قوة الله##, ##ليس القوي من يهزم عدوه وأنما من يربحه##, ## لم يحدث أن الشمس أخفت وجهها عن الأرض وأنما الأرض هي التي أدارت ظهرها للشمس##, ##لا أريد شيئا من هذا العالم لأن العالم أفقر من أن يعطينا شيئا## , ##الله يسمع صوت صمتنا##, ## احفظ المزامير تحفظك المزامير## ## ربنا موجود… كله للخير… مسيرها تنتهي##.
عاشرا: في كافة مجالات الخدمة والرعاية والتعليم والمعاهد التعليمية والعمل المسكوني والزيارات كان يهتم جدا بنوعية التعليم من حيث البساطة والسلاسة والوضوح والمباشرة والتركيز والتعليم الصحيح, فهو لا يكتب لكي يتفلسف علي الناس وأنما لتعليم العامة, وهو لا يكتب للاهوتيين المتخصصين وأنما لشعبه الذي يرغب في ربحه للملكوت, ولا يعظ لعلية القوم أو صفوة المتعلمين وأنما للإنسان البسيط لأنه راع مسئول عن رعية وعن خراف المسيح.
نعم البابا شنودة هو معلم الأجيال وهو حبيب الملايين وداعا معلمنا الكبير… وداعا أبي وحبيبي…. وداعا معلم الشعب.