جاء محمد علي باشا إلي مصر حاكما بإرادة الشيوخ والفقهاء وأيضا المصريين الذين كانوا يرزحون تحت حكم المماليك عام 1805, واستطاع محمد علي باشا وأبناؤه أن يضعوا اللبنات الأولي لمصر المعاصرة, حيث استوطنوا الصناعات التقليدية وكذلك الحربية, وإنشاء الخزانات والسدود, وشقوا الترع واستطاعوا أن يقيموا جيشا مصريا وصل إلي تهديد الأستانة نفسها مقر حكم السلطان العثماني.
وما يهمني في مقالي اليوم هو ضرورة توطين الأنشطة الصناعية في مصر, وطبقا لخطة القيادة السياسية المصرية منذ عدة سنوات ببدء توطين الصناعة.
إلا أن الرائي والمتابع والمهتم بالنشاط الصناعي في بلادنا إلي بلاد العالم قديما وحديثا يجد بأن توطين الصناعة شيء قديم, حتي قبل الثورة الصناعية سنة 1917, ففي مصر القديمة توطنت صناعة النسيج في أخميم بالصعيد والباقي من هذا التراث, وهي صناعة الفركة السوادني في هذه البلدة (بجنوب مصر) والتي تصدر كل إنتاجها إلي السودان الشقيق, ولا أعلم إذا كانت هذه المشاغل تعمل الآن أم توقفت!!
كما تميزت المنيا في الصعيد, بالعسل الأبيض ومنها أهدي المقوقس العظيم ملك مصر إلي الرسول عليه الصلاة والسلام, الجارية المصرية ماريا القبطية العسل الأبيض وكذلك 20 عباءة وقباه للكعبة من قباطي مصر وهي المنسوجات المصرية الشهيرة والتي أخذت اسم مصر COPET اسما لها.
ونجد في العصر الحديث أن المحلة الكبري هي قلعة صناعة النسيج, وأن نجع حمادي وكوم أمبو هم قلاع صناعة السكر قصب السكر!!
وفي العالم نجد مدينتي لانكشير ويوركشير في إنجلترا قلاع صناعة نسيج الصوف والقطن, وهكذا!!
واليوم ونحن أمام خطة للدولة تعمل علي إنجاز وعد الرئيس عبدالفتاح السيسي الأخذ في الاعتبار أن توطن الصناعة حيث الثروة التحتية, والثروة فوق الأرض, وكذلك الثروة البشرية المتاحة في كل مكان بالمحروسة.. ولعل محور تنمية قناة السويس سوف يكون النموذج!!
ولابد من إعادة تقسيم مصر إلي مجموعة من الأقاليم تبعا لتلك الثروات, فليس من الضرورة الاتفاق علي أن مصر 27 محافظة, بل يمكن تقسيم مصر إلي ثمانية أقاليم ويكون لحاكم كل إقليم سلطات كل الحكومة المركزية ويكون لكل إقليم عائد من إنتاجه سواء كان صناعيا أو زراعيا أو خدميا!!
وهذا ما يجب أن تتجه إليهالسياساتالعامة في الدولة نحو اللامركزية.. ولابد من وضع استراتيجيات مختلفة طبقا لكل ما هو متاح في كل إقليم من ثروات ولا يمكن الاعتداد أبدا بتقسيم يعتمد علي التاريخ والجغرافيا- بالنسبة للإنتاج والإنتاجية!!
إذ لابد أن يرتبط التعليم في كل إقليم باحتياجات الإقليم من ثروة بشرية, ذات طابع خاص ومهنة بعينها فهذه المنطقة تحتاج إلي خريجين يصلحون للعمل في مجال البترول والبتروكيماويات وإقليم آخر يحتاج إلي خريجين يفهمون في الزراعة والتصنيع الزراعي, والتعبئة والتغليف, والتبريد.. وإلخ.
أي أن مصر في احتياج لحلول غير تقليدية أمام برامج غير تقليدية وغير نمطية وقد وضعها الرئيس عبدالفتاح السيسي في مجمل خطاباته دون تفسير, مع العلم بأنه قد مضي أكثر من خمسة أعوام علي إعلان هذه البرامج في خطابات الرئيس دون أن تظهر أية بادرة من الحكومة لترسيخ هذا المفهوم.
نريد برنامجا حكوميا شافيا وواضحا ومحدد المدد والأزمنة أمام البرلمان لكي تستطيع كل أطراف وعناصر المنظومة سواء من مستثمرين وطنيين أو أجانب المشاركة في تنفيذ هذه البرامج المفترض مخطط لها من وزارات التخطيط والصناعة والزراعة وأيضا هيئة الاستثمار.