يتحول كثير من الناس عن مسارهم (في حياة هدفها الخدمة) منذ البداية إلي السعي المغالي وراء المصلحة الخاصة. طبعا نحن بحاجة إلي أن نطعم ونكتسي ويكون لنا سقف بيت يؤوي أسرتنا. لكن الأمر يصبح مصدر إيلام ظاهر عندما يظل المرء متمسكا بغاية ما ولا يبالي بشيء سوي ما يحقق من إنجاز, ويكتسب من اعتراف وشهرة, وما يحرز من تقدم. لكن الأفضل بدل ذلك هو التفكير في ##المصلحة الذاتية المستنيرة.## فالمصلحة الذاتية المستنيرة تشرح كيف أن تقديم المرء لهدفه وتفضيله كثيرا علي برنامج أجندته الشخصية يخلق دوامة غالبا ما تحقق فيها الأهداف الشخصية النافعة ذاتها ودون حاجة إلي زيادة حساب الإنفاق, أو الركض وراء فرص الظهور في الصور مع المشاهير, أو التدخل في كل وضع وحالة بأسلوب كما وكأنه صاحب الحق. وفي أغلب الأحيان يخلق إخلاص المرء وتفانيه النابعين من القلب لهدفه وعدم التفاته الصريح إلي المصلحة الشخصية مستوي من النجاح يمكن أن يفوق حتي توقعاته الأولية. وأنا أذكر أن صحفية من وكالة أسوشيتد برس سألتني بأسلوب لا يخلو من الشك كيف أنني كانت لي شجاعة الطلب من الشركات والمؤسسات والأفراد المانحين أن يتبرعوا بآلاف مؤلفة من الدولارات. ألم يجعلني فضولها في معرفة ذلك أشعر بالتوتر والعصبية؟ لكنني أجبتها ##كلا. فأنا لم أطلب شيئا لنفسي أبدا.##
##لكن ما فائدتي في ذلك؟## هذا هو السؤال المناسب دوما. فالجزء المهم في السؤال هو تحديد ##ماذا أنا أريد؟## والجواب كان لي دائما هو أن محبة الخدمة مكافأة كافية. وليس معني ذلك أنني أتوقع أن أتلقي تعويضا بالمقابل حتي أكون علي استعداد لاستثمار نفسي في مساعدة شخص ما علي التقدم.
ينظر إلي بعض الناس ويفترضون خطأ أنني ظللت معزولة أسيرة التضحية الذاتية. فمن الصعب علي امرئ أن يتفهم ويدرك أنني عندما أؤدي أعمالا نافعة لفائدة الآخرين إنما أفيد نفسي أيضا. فأنا عندما أعمل في سبيل شخص ما يكون عملي قائما علي أساس إدراك أنه لا يصغر من شأني وإنما يزيدني تسارعا إلي الأمام. والفارق المهم المميز هنا هو: ليس ##أنا أفعل هذا من أجلك.## ##مهما كان ما أعمله, فأنا أعمله معك.##
كان من الصعب في السنوات الأخيرة إقناع الناس بفكرة جعل الخدمة العامة, كالعمل في منظمات المجتمع الأهلي أو المنظمات غير الربحية, مهنة حياتية. فهناك في مجتمعنا اهتمام خاص وتشديد علي المركز والثروة. فمن النادر أن يتخلي عن هذا الوعد شخص حاصل علي تعليم جيد وخبرة مهنية كي يعمل براتب أقل يشفعه بعض المديح والثناء. ونحن كثيرا ما نتردد في الإقبال علي ذلك خشية أن لا يعترف لنا بالفضل.
يصف الإنجيل هذا بأنه ##محبة.## إنه هذا المفهوم, مفهوم المحبة غير المشروطة لخدمة الآخرين الذي ينطوي عليه معظم الديانات والمعتقدات الروحانية. وهو ليس مبدأ قائما علي عطاء دافعه ما يعود علي بالمقابل, كما هو العوض والمقابل في بعض النصوص الكارمية الهندوسية والبوذية. فينبغي أن يستبعد كل إنسان من ذهنه فكرة أن الشخص الذي نساعده الآن قد يساعدنا في المستقبل ويرد الجميل ويمد يد العون والمساعدة عند الحاجة. إذا كان هذا غرضك فياوجع خيبة أملك.
الدكتورة دوروثي هايت واحدة من أبرز نشطاء المجتمع المدني في أمريكا في القرن العشرين وقد توفيت منذ أيام وخرج جثمانها من الكاتدرائية الوطنية بواشنطن بحضور الرئيس باراك أوباما.
يو إس جورنال