هناك تطور مهم في نوعية ما يكتبه مؤلفو أدب الأطفال في العالم كله.(والمؤلفون للكبار أيضا) فقد كانت النصيحة ألا يكتب الكاتب إلا عما يعرف, أما الاتجاه الحديث فيؤكد للكاتب:عليك أن تعرف ما تريد أن تكتب عنه.
فالقصة أو الرواية لم تعد تدور فقط حول تجارب شخصية, ولا حول مجرد الخيال المنطلق, بل علي الكاتب بعد أن يستقر علي موضوع عمله الأدب, أن يجمع أكبر قدر من المعلومات والخبرات من مختلف المصادر حول الموضوع الذي سيكتب عنه.
إن النحلة, لكي تقدم جراما واحدا من العسل الذي فيه شفاء للناس, لابد أن تكون قد جمعت الرحيق من ثلاثة آلاف زهرة أو أكثر, هذا الرحيق المجاني, عندما تتم معالجته داخل أجهزة النحلة العبقرية يتخلق العسل والشهد بما لهما من قيمة فائقة.
هذه هي قيمة الخبرة والتجربة والمعلومات التي لابد أن يحرص المبدع علي الوصول إليها قبل أن يبدأ في إبداع عمله الأدبي أو الفني:ثلاثة آلاف قبل إبداع صفحة واحدة.
ومع اتساع مجالات المعرفة, وما يجب أن يعرفه الإنسان, فقد أصبح علي المؤلف أن يجمع كل المعلومات التي لها صلة بخلفية الرواية التي يكتبها, سواء تعلقت هذه المعلومات بالمكان أو الزمان أو نماذج الشخصيات أو غير ذلك لكي يعايش في خياله كل عناصر روايته وكأنه قضي حياته معها فعلا.
وليس معني هذا أن يستخدم المؤلفكل ما يحصل عليه من معلومات ويضعها في عمله الأدبي بل يستخدم فقط ما يحتاجه ويكون ضروريا لعمله علي أن يدخل في صميم نسيج العمل الفني ولايكون مقحما عليه لكنه يجب أن يعرف كل ما يمكن معرفته من معلومات تدور حول عمله الذي يكتبه حتي إذا لم يستخدم إلا عددا قليلا من هذه المعلومات.
وعلي المؤلف أن يحاسب نفسه دائما لكي لا يضع في عمله الأدبي من المعلومات إلا ماهو ضروري ومرتبط ارتباطا عضويا بهذا العمل.
وإذا كانت هناك حاجة فنية لإدخال معلومات فلابد من إدخالها بطريق غير مباشر مثلا عن طريق حوار أو في مقاطع صغيرة سهلة الفهم مختصرة تأتي وسط الأحداث مع التجنب التام أن تكون مفروضة علي النص.
ولعل هذا هو أحد ملامح الربط بين الانفجار المعرفي والثورة التكنولوجية والعلمية وبين الأدب في عشرات السنوات الأخيرة.
ويقود هذا إلي التأكيد علي أن الاسترسال فيالوصف قد يؤدي إلي سقوط الإيقاع والبطء في تقدم الحبكة, لأن ما يدفع القارئ إلي نهاية الكتاب هو الأحداث والحركة واكتشاف المواقف الجديدة للشخصيات وليس مجرد تراكم المعلومات أو الوصف.
تقول كاتبة أطفال مشهورة:إذا كنت تستمتع بالوصف فأنت كاتب مقال, وإذا كانت الجمل المتناغمة بطريقة جميلة تعطيك المتعة فقد تكون شاعرا- لكن إذا كانت المواقف وما يقوم به الناس وسلوكهم وانفعالاتهم في تلك المواقف هي ما تثيرك إذن فأنتراوي قصة.
ولعل هذا يحسم الجدل حول تطلب البعض أن تحتوي القصة أو الرواية-الموجهة للأطفال أو المراهقين-علي معلومات أو أن تقاس جودة الرواية بما يوجد فيها من معلومات-ذلك أنه إذا حاول المؤلف أن يجعل من روايته مصدرا للمعلومات فهذا يخرج العمل فورا من مجال الفنون الأدبية, ويدخله في مجال المقال الصحفي أو الدعاية أو كتب المعلومات أو الكتب المدرسية.
هنا تقوم قوم الملاحظة المستمرة, والرحلات والزيارات للبيئات المختلفة والتعرف إلي مختلف المجموعات البشرية وإلي مختلف أصحاب المهن والحرف والصناعات بدرو رئيسي في تنمية الخبرة مثل الزيارات إلي الصحراء أو المناطق الساحلية,أو المناطق الصناعية أو الريفية أو العشوائية.
كما أن زيارة متاحف الفن والآثار وتأمل لوحات كبار الفنانين تقدم ثروة من الخبرة حول تعبيرات الوجوه وطرز العمارة والأثاث والملابس خاصة عند كتابة عمل في جو تاريخي.
كذلك فإن قراءة التاريخ والدراسات الأنثروبولوجية أو علم الإنسان تقدم ثروة من المعلومات حول العادات وطرق الحياة في مختلف المناطق كسكان الصحراء والسواحل وما يماثلها, أو في الدول الأجنبية وفي مصر بين أيدينا دراسات المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية ودراسات أقسام الاجتماع في الجامعات المصرية حول الطفل العامل, وأطفال الشوارع, وسكان العشوائيات, والأم المعيلة, وغيرهم من الفئات التي قد تكون موضوعا لعمل قصصي أو روائي.
كذلك فإن حضور المؤتمرات والندوات التي تقام حول مختلف قضايا الأطفال تتيح الاستماع والحوار مع أصحاب الخبرات الشخصية من الخبراء الذين يتصلون مباشرة بفئات مختلفة من الأطفال والبيئات, وإن كان هذا لايغني عن الخبرة المباشرة للتعرف علي هذه الفئات.