مصر مركزية الإدارة منذ قرأنا في تاريخها القديم, والمعاصر فالنيل حدد سياسة الإدارة في المحروسة.
فحول النيل يعيش المصريون متشبثين بالأرض ومن كان يغادر القاهرة إلي أسيوط يودعه أهله في محطات القطارات أو في موقف أحمد حلمي (الأتوبيسات) يبكي الأهل لفراق الحبيب, حيث سيغادر أحد أفراد العائلة! والقاهرة كانت هي (مصر كلها) وحتي اليوم يطلق علي محطة قطارات القاهرة (محطة مصر)!! فالقاهرة هي مركز الحركة وهي مركز الإدارة, وهي محط أنظار كل الإدارات في جميع أرجاء المحروسة!1 ولا يمكن أن يكون الفولكلور هو أساس للتنمية وللتقدم!!
لا يمكن أن ندير مصر كدولة بنظريات الأدب الشعبي المصري فالمركزية هي تراث مصري قديم, ورثناه عن أجدادنا الفراعنة! ولا يمكن أن نعتبره سنة من السنن الحميدة في الوطن!
فمركزية الإدارة في شركة صغيرة لا يزيد مسطحها الجغرافي علي بعض مئات الأمتار, أثبت فشله الذريع, وتراجع بمثل هذه المؤسسات المعتمدة علي مركزية القرار إلي الخلف, وإلي التدهور, والانتحار في بعض الأحيان!
وإذا جاز لنا التعبير عن مركزية القرار في الشركة ورفضه!! فالأحري أن نرفض المركزية الإدارية علي مستوي الوطن!!
فنحن في أشد الاحتياج إلي وطن يشبه الشركة الاقتصادية الكبري, نريد مصر كوربريشن مثل دبي كوربريشن والولايات المتحدة كوربريشن.
نريد دولة عصرية تتحرك فيها الإدارة من خلال سياسات عامة متفق عليها مركزيا, نريد لا مركزية في القرار الإداري, وفي تعظيم القيمة المضافة لكل جزء من الوطن أرض أو صناعة أو تجارة أو خدمات!
ولن يتأتي ذلك من خلال إدارات للمحافظات والمديريات والأحياء ورؤساء جامعات ومراكز, كلها تتم إما كمكافأة نهاية الخدمة أو لولاء شخصي أو لكوسة مصرية خالصة للمسئول الأكبر!
إن اللامركزية هي نهج حياة ولقد سعت الحكومة في فترات سابقة من خلال توجيهات عليا, بتجربة اللامركزية في بعض المحافظات, وتم ذلك جزئيا في محافظتي الإسكندرية والمنيا علي ما أعتقد!
ورغم عدم اكتمال عناصر اللامركزية في الإدارة في هذه التجربة إلا أن نتائجها كانت مبشرة جدا!!
رغم أن المحافظين في تلك المحافظتين لم يختاروا, بنظام ومعايير إدارية معترف بها عالميا!! إلا أن الحظ في أنهم يمتلكون موهبة الإدارة بالصدفة!!
ومع ذلك لم يكتمل لديهم عناصر اللامركزية بل كانت شبه معزوفة ناقصة لمعدات وآلات الأوركسترا المطلوبة!
ومع ذلك كانت تجربة ناجحة بنسبة محدودة!!
والمطلوب في قانون المحليات الجديد أن نؤكد علي اللامركزية في الإدارة لجميع أرجاء الوطن! وهذا ما نادي به الرئيس عبدالفتاح السيسي حيث وجه رسالة إلي الأستاذ الدكتور علي عبدالعال رئيس مجلس النواب المنقضية فترته النيابية هذه الأيام, بأن مصر في أشد الاحتياج لقانون محليات عصري يبدأ من حيث انتهي الآخرون أسوة بما ينتهجه الرئيس نحو إعادة بناء الوطن, بناء عصريا ستفتخر به أجيالنا القادمة.
مطلوب تقسيم الوطن إلي مناطق تعتمد علي ثرواتها البشرية والتحتية (الجيولوجية) والاقتصادية والخدمية!
مطلوب مديرون للأقاليم, يمتلكون أدوات الإدارة الحديثة لكي يستطيعوا المساهمة في التنمية الشاملة للدولة.. ونحن لن نخترع العجلة, فهي قد اخترعت في كل دول العالم القائم, أما النائمون فلهم ربنا والله أعلم!!