في أوائل التسعينيات حدثت واقعة طريفة.. كانت المادة الصحفية للجرائد تجمع بواسطة ماكينات جمع الرصاص وهو الجمع السطري بالرصاص بواسطة الرصاص المنصهر في غلايات سنتحدث عنه لاحقا بالتفصيل.. كل خمس كلمات كانت تجمع علي سطر رصاص قطعة واحدة, وبمجرد الانتهاء من جمع الموضوع يتم نقله علي جاليه عبارة عن قالب حديد بعرض عمود أو عمودين أو ثلاثة أعمدة بطول متر واحد تمهيدا لتوزيعه علي الصفحة مع الصور طبقا للماكيت.. كنا نجمع العديد من الموضوعات والمقالات بما يفوق طاقة صفحات الجريدة تحسبا لزيادة عدد الصفحات أو إلغاء بعض المواد فجأة.. كان معروفا أنه بعد الانتهاء من كل عدد نقوم بترحيل المؤجلات للعدد الذي يليه.. الرصاص في الجاليه ومعه بروفة تم مراجعتها, وقد خصصت مطابع الأهرام دولابا حديديا ضخما به عيون لتسكين الجاليهات المؤجلة.. خصصت عدة عيون للأهرام وأخري لوطني والوفد وصوت العرب التي كانت تصدر في ذلك الوقت وعلي العيون ملصقات بأسماء الصحف للإرشاد.. كنا نقوم بتجهيزات وتوضيب صفحات وطني أيام الخميس والجمعة والسبت حيث تتم الطباعة فجر الأحد للحاق بقطار الصحافة..
في أثناء عملية تقفيل الصفحات كنا نستعين ببعض المؤجلات وهكذا شأن الصحف الأخري.. أثناء الزحمة والدوامة مساء السبت احتاجت جريدة الأهرام بعض الأخبار المؤجلة لتقفيل صفحة الوفيات كالعادة.. جري عم فرماوي منسق صفحة الوفيات بالأهرام لسحب أعمدة الأخبار وبطريق الخطأ سحب أعمدة الأخبار من العيون المخصصة لوطني وشاء القدر أن تكون أخبار رياضية ونزل بها بصفحة الوفيات بسرعة ولأنه سبق مراجعتها عدة مرات فقد اكتفت المراجعة بالأهرام بالقراءة الحرة.. وصدر الزهرام صباح اليوم التالي منشورا فيه الأخبار الرياضية بصفحة الوفيات بأسماء محرري وطني!
في ذلك اليوم شهد محررو الرياضة بوطني مظاهرة بزعامة وجدي كمال المحرر بالصفحة فرحا وطربا لنشر أعمالهم بالأهرام توقعا منهم أنها بداية للتعاون مع الأهرام وسط ذهول الجميع.
سألني الأستاذ أنطون سيدهم رحمه الله عما حدث؟.. شرحت له القصة كاملة.. ضرب كفا بكف وابتسم ابتسامة عريضة!!.. وإلي اللقاء.
** شكرا لرئيس التحرير يوسف سيدهم الذي أمتعني بكتابة هذه الذكريات مقترحا العنوان الثابت للعمود.