منذ حوالي خمسين عاما تابعت عن كثب تجربة المدارس القبطية في مصر, منظومة عسكرية تعليمية وتربوية وثقافية منضبطة, أنشطة شاملة متنوعة من الموسيقي مرورا بالمسرح والتربية الفنية والزراعية والاجتماعية والإسعافات والصحافة المدرسية إلي التربية الرياضية بشمولها وعمقها ونتائجها المبهرة.. محراب مقدس هدوء وصفاء وروحانية الكنائس والمساجد.. أداء الراهبات كملائكة السماء.
هذه المدارس عمرها في مصر أكثر من مائة عام قدمت خلالها أوائل المحافظات والجمهورية في جميع الشهادات سنويا.. ناهيك عن نسبة النجاح فيها التي لم تهتز عن مائة في المائة!
أليست جديرة بالتأمل والدراسة؟
من أعرق هذه المدارس كلية رمسيس بنات لغات إنجاز وإعجاز مبهر علي امتداد أكثر من قرن.. تولي إدارتها رائدة التعليم في مصر رضا سلامة علي امتداد أكثر من ربع قرن.. في أحد احتفالاتها السنوية منذ أكثر من عشرين عاما وقف د.فتحي سرور وزير التربية والتعليم الأسبق مبهورا بشموخها ولم يتمالك نفسه حينما قال في الحفل الرسمي لو بيدي لأطلقت اسم رضا سلامة علي هذه المدرسة!
سير بولين الرئيس العام لمدارس القديسة أنا لغات بالظاهر, احتفلت منذ عدة شهور بمرور خمسين عاما علي رهبنتها, ومع ذلك تراها في السبعين من العمر تنطلق في أرجاء المدارس ترصد وتتدقق وتتأمل تعمل أكثر من خمس عشرة ساعة يوميا!
رغم الضغط الشديد علي هذه المدارس في موسم تقديم طلبات الالتحاق الذي بدأ من شهر يونية الماضي إلا أنك تجدها في منظومة منضبطة.. يتحرك طوفان الآباء والأمهات والأطفال من مكتب إلي مكتب لتقديم طلبات الالتحاق وإجراء المقابلات من لجنة إلي لجنة في حركة انسيابية وكأنهم سيمفونية موسيقية هادئة, قيادات هذه المدارس تحضر جميع المقابلات بهدوء وسماحة وصبر وابتسامة.. فوجئت بسير بولين تتحدث عن نتائج هذه المقابلات وتقدم لك تقريرا مفصلا من الذاكرة عن كل طفلة!
هذا مجرد نموذج مشرف ينطبق علي مدارس القديس يوسف الظهور والقلب المقدس ونوتردام والمارونية وسان فنسان دي بول والقديس ميخائيل وسان جورج وغيرها وغيرها.. صحيح أن هذه المدارس تتبع إدارة الوايلي التعليمية التي كانت محظوظة بقيادات شامخة بدءا من د.خليفة بركات إلي مجدي الجيار الذين وهبوا حياتهم لأجيال المستقبل بإدارتهم الحكيمة وتفانيهم.. إلا أن هناك مدارس في إدارات أخري تستحق الإشادةمثل سانت كلير والأرمن كاثوليك بمصر الجديدة وسان جوزيف بالزمالك وسيدة المعونة بالنزهة وغيرها.
استعينوا بقيادات المدارس القبطية لعقد دورات تدريبية لمعلمي ومديري المدارس الحكومية والقيادات التعليمية الوسطي وسوف نجني ثمارا مذهلة علي أيدي راهبات مصر العظيمات القادرات علي دفع العملية التعليمية وتطويرها وتحديثها وانطلاقها إلي العالمية.
كما يجب أن تبحث الدولة عن أفكار جديدة للتوسع في هذه المدارس بإهداء الجمعيات القبطية الأراضي الفضاء في المدن الجديدة وتترك لها العنان للتوسع بإنشاء فروع لها وسوف تشهد مصر نهضة تعليمية مذهلة خلال سنوات قليلة.. بدلا من تحويل أطفالنا إلي فئران تجارب وإهدار المال العام والمعونات تحت شعارات وهمية وتجارب محكوم عليها بالفشل!