ويري أن عقيدة عودة التجسد هي مستقلة تماما عن مفهوم التناسخ أو تقمص أرواح الحيوانات والنباتات.
ونسب إلي أحد الآباء أنه قال هناك حاجة طبيعية للروح الخالدة, لأن تعالج رذائلها ولأن تتطور, فإذا لم تفعل ذلك خلال حياتها الأرضية, فإن العلاج يحدث في الحيوات التالية وما يتبعها (ص 73).
وهذا يعني في رأيه إمكانية التوبة بعد الموت, في حياة تالية.
وسوف نرد علي هذه النقطة في مقال خاص إن شاء الله ويكفي أن نقول هنا إن الروح لو منحت حياة أخري في عودة التجسد, ما أدرانا أن حالتها ستتطور إلي أفضل, لأنه من الممكن أن تسوء حالتها أكثر مما كانت.
وأصحاب عقيدة العودة إلي التجسد يحاولون أن يثبتوا عقيدتهم باقتباسات من الكتاب المقدس, مما سنرد عليه في مقال مقبل بمشيئة الرب.
وجه الخطورة في هذا الاتجاه الذي يسير فيه علماء الروح, أن بعض رجال الكنيسة يجارونهم فيما يقولون, ويعتمدون علي نفس براهينهم!!
وورد في مقدمة كتاب الأستاذ عبدالعزيز جادو موضوع احتمال العودة للتجسد, أي عودة الروح إلي اتصالها بجسد مادي جديد بعد انفصالها عن جسدها السابق هذه العودة عقيدة قديمة. وتتضمن جميع الأديان بغير استثناء إشارات متنوعة إليها تتفاوت في مدي وضوحها ودرجة رسوخها. كما نادي بها عدد ضخم من أبرز الفلاسفة والشعراء والمفكرين.. (ص12).
ويقول الأستاذ عبدالعزيز جادو إننا إذا رجعنا إلي الديانات القديمة والحديثة, سواء كانت هندوكية, أو جينية, أو برهمانية, أو بوذية, أو زرادشتية, أو غنوسية, أو مانوية.. أو إسلامية أو يهودية أو مسيحية, كل ما تحويه هذه الأديان من ينابيع العلم ومصادر المعرفة, نجدها متفقة وبدرجات متفاوتة حول مذهب العودة للتجسد (ص 19, 20).
فلنبحث إذن معا ما ورد في تاريخ الديانات الشرقية القديمة.
التقمص وتناسخ الأرواح: Transmigration
يشرح الأستاذ مصطفي الكيك في كتابه تناسخ الأرواح فيقول: إنه مع الإيمان بخلود الروح, فإنه توجد فترة طويلة بعد الموت وعودة الروح إلي جسدها الآدمي لتحل فيه وتستأنف به حياتها الثانية في عالم الروح. فالروح لا تقضي هذه المدة الطويلة في فراغ, فيمكنها خلال هذه الفترة الإلمام بطائفة من المعلومات والخبرات, حتي في ميادين الحياة في عالم الحيوان, فيقول من أجل ذلك تتجسد في أجنة حيوانات الأرض والبحر والجو.
ويقتبس هذا من أحد المراجع في كتب التاريخ المصري.
ثم يتحدث عن اتصال دول العالم القديم ببعضها البعض عن طريق الرحلات والتجارة, وأن فكرة التقمص تطورت في الفكر الهندي, والبوذي وأنه نتيجة رغبة الروح في الحصول علي خبرات جديدة فلكي تكمل هذه الحصيلة, تتجسد روح الرجل في جسد امرأة, وروح المرأة في جسد رجل (ص 14, 15).
ويقول أيضا أما الذين يريدون العودة إلي الحياة الأرضية بقصد إشباع رغبات جسدية.. فهذه الأغراض تخرج عن الغرض الأصلي للتناسخ وهو جمع صنوف الخبرة والتجربة (ص 16).
التناسخ عند الهنود:
يؤمن الهنود بتجوال الروح من جسد إلي آخر, إلي أن تنتهي أخيرا هذه التجسدات كلها, وتتحد بالكائن الأعلي بالحالة التي يسمونها النرفانا.. انظر كتاب: أديان العالم الكبري.
ويحكم التناسخ والعودة إلي التجسد قانون الكارما وهي كلمة سنكريتية عناها الجزاء, حيث يحكم نوعية التجسد ما قام به الإنسان من خير أو شر في فترة تجسده, فيكون التجسد التالي لونا من الثواب أو العقاب.
والوصول إلي النرفانا لا يأتي بالأعمال الصالحة, فهذه تهيئ الروح في عقيدتهم إلي تجسد أفضل, لكن النرفانا تأتي بالنسك الشديد والتخلص من محبة المادة تماما حينئذ تقف دورة التناسخ, وينتهي تجوال الروح, وتصل إلي السكينة المطلقة, ولا يعود الإنسان إلي الحياة في العالم الأرضي.
بالنسبة للنسك الشديد – حسب المعتقد الهندي – مع الحرمان من ملاذ الأكل وباقي ملاذ الجسد, وانعدام المطامع, وعدم إيذاء أي كائن حي, تتحرر الروح من التقمص في جسد آخر سواء جسد إنسان أو حيوان أو طير.
لذلك كبار الهنود – مثل المهاتما غاندي وغيره – ما كانوا يأكلون اللحوم, ولا يقتلون حيوانا أو طيرا أو حتي حشرة.. لأنه ربما يكون هذا الكائن الحي هو تجسد لإنسان تقمص فيه…!!
في العدد المقبل إن شاء الله سوف نتناول موضوع العودة إلي التجسد, لنناقشه ونرد علي ما يتعرض فيه للكتاب المقدس, وما يقتبسه منه هذا المذهب بتفسير خاطئ.