يقول السيد المسيح:ليكن أكبركم خادما لكم. فمن رفع نفسه وضع, ومن وضع نفسه رفع(متي12:23). ليست رذيلة الكبرياء عظمة, بل ورم, لنهرب من الورم, ونلزم الكبر الحقيقي, لأن ملكوت السموات للمتواضعين, فالكبرياء هي عظمة الضعفاء الكاذبة التي تسيطر علي العقل. يحكي أن رجلا وابنه كانا يسيران معا, وعندما وصل إلي أحد الحقول قال الابن لوالده:انظر يا أبي إلي تلك السنابل الشامخة التي تتمايل مع النسيم في العلاء, من المؤكد أنها تتميز بكثرة ثمارها وتفتخر بجمال عيدانها, في حين أن هناك سنابل أخري منحنية تميل بفروعها نحو الأرض, كأنها في شدة الخجل من ندرة ثمارها!. وبعد لحظة صمت, أجابه والده قائلا:إن الأمر يختلف تماما عما تعتقد فيه, لأن السنابل الشامخة لاترتفع للعلاء نتيجة الثمار التي تحملها, ولكن لأنها خفيفة وفارغة وجوفاء لاثمر فيها, بينما تلك المنحنية نحو الأرض مثقلة بالحنطة الكثيرة. لنتعلم الدرس من هذا الموقف, لأن قيمة الإنسان الحقيقة تكمن في أعماله الصالحة والخيرة التي يقوم بها, وليست في إعجابه بذاته أو مديح الناس له ومجاملتهم, وأحيانا كثيرة يغلب عليها النفاق والرياء, فالكبرياء هي أن تحب الإنسان في ذاته ما يمتاز به عن سواه مما لا شك فيه أن الإعجاب بالنفس مرض الإنسان الفارغ, الذي لا يملك شيئا ولا يعمل عملا مفيدا فيسعي إلي تعويض ذلك بالزهو والتفاخر والتعالي, بينما الإنسان العظيم حقا يتحلي بفضيلة التواضع ولا يتعالي علي أحد ولا يتباهي بأعماله وبشخصه كما أنه يحترم الآخرين ويتعامل معهم بكل تواضع ووداعة. فالله لا يريد منا أن نخفي عن عيون الناس الخير الذي نعمله أو الإنجازات التي نقوم بها, حتي لا يرانا الناس, ولكن لنعمل الخير تمجيدا لمن أعطانا أن نعمل خيرا, لأننا بأنفسنا لا نستطيع سوي الشر, ولكن بالله ونعمته نستطيع الخير. من المهم أن نعرف بأية نية نعمل, حينما نقوم بالخير. كم أتي من عظائم وإنجازات حبا بالمجد الدنيوي, أولئك الذين يدعون أنفسهم أفضل من الغير, كما أنهم لا ينتظروا المكافأة من الله, بل من الناس فقط!. إن طبيعة الإنسان الهشة والضعيفة تجعله يميل إلي الكبرياء في تصرفاته وعلاقته بالآخرين. لنتأمل شخصا عندما يعمل كموظف عادي في شركة ما كيف يتعامل مع الزملاء, ونتابع تصرفاته إذا تم تعينه مديرا أو رئيسا عليهم, سنلاحظ فروقا كثيرة وتغيرات جذرية في علاقته بهم بينما الإنسان المتواضع لايتعدي علي أحد ولا يتفاخر بشخصه ومركزه وأعماله كما أنه يحترم الجميع ويراهم أفضل منه, مهما نال من مراكز أو مناصب ونجد أيضا الإنسان المتواضع لايبالغ في تقدير أعماله الشخصية بدافع الغرور أو الغيرة من الآخرين, ولاينسب لذاته ما يقوم به الغير من إنجازات ودائما يتحلي بالصدق والاستقامة, ولا يتأثر برضي الناس أو سخطهم لأن همه, الأول والأخير هو رضا الله وضميره علاوة علي ذلك نجده لايبالي بأقوال الناس إلا بمقدار ما يطلعونه علي حقيقة حاله, ليزداد رسوخا في التواضع ويسعي لإصلاح ذاته وتجنب هذه الأخطاء والعيوب التي كشفها له من يتعامل معه, وفي هذا الصدد يتهلل داود النبي قائلا:عندما أري سمواتك صنع أصابعك والقمر والكواكب التي ثبتها, ما الإنسان حتي تذكره وابن آدم حتي تفتقده؟(مزمور8:4-5). كم من المرات التي لمسنا فيها الإنسان المتواضع عندما يشعر بضعفه ويعترف بذلك؟ بينما المتكبر يذم الآخرين لأنه حاقد وعاجز عن اكتساب الفضيلة أو عمل الخير, فيلجأ إلي سلاحه الوحيد وهو ذم وتشويه أهل الخير والسخرية منهم, علي أمل أن يتراجعوا عما يقومون به من خير وحق وجمال ليصبحوا مثله, ومن ثم يجد التعزية عن تقصيره, ويفتخر بأن كل الناس مثله, بين المثقفين وغير المثقفين, الأغنياء والفقراء, الذين يدعون التدين والبعيدين عنه, لذلك يجب علينا أن نعرف قدر ذواتنا, لأن الإنسان العظيم حقا نجده متواضعا في كل مكان وزمان, مهما نال الترقيات ولايتعدي علي أحد ولايتفاخر بشخصه كما أنه يصغي للجميع ويحترم آدميتهم, إذا فالتواضع والصدق والبساطة هم الحد الفاصل الذي يمهد لسمو الإنسان ونختم بالقول المأثور:من العظماء من يشعر المرء في حضرته أنه صغير ولكن العظيم حقا هو من يشعر الجميع في حضرته بأنهم عظماء.