يحثنا القديس بولس الرسول في نشيده المعروف عن المحبة قائلا:لو تكلمت بلغات الناس والملائكة ولم يكن لدي محبة, فما أنا إلا نحاس يطن أو صنج يرن…وإن لم تكن لدي المحبة, فما أنا بشيء…فالإيمان والرجاء والمحبة هي الثلاثة الباقية, وأعظمها المحبة (1كورنثوس13:1-13) نحتفل في هذا الشهر بعيد الحب, والذي يتم فيه تبادل الهدايا التي ترمز للعيد, ومن المحتمل أن يكون الحب مبنيا علي المصالح الشخصية والمجاملات, لكن المحبة الحقيقية ترتبط بالتضحية والتفاني والاعتراف بالجميل. توجد هناك جزيرة بعيدة ومنعزلة, تعيش فيها كل الصفات والمشاعر الإنسانية:الحب, الغني, الفقر, السعادة, الحزن, المعرفة, الغرور, الزمن, التعاسة, الألم, البؤس, الرقة. وفي صباح أحد الأيام تم إطلاق صفارة الإنذار لتحذير تلك المشاعر بقرب غرق الجزيرة بمن عليها. لذلك فالمطلوب من الجميع أن يعدوا قواربهم للرحيل. فأراد الحب أن يثابر لآخر لحظة بينما كانت الجزيرة تغرق, إلا أنه سقط في المياه, فقرر أن يرحل هو أيضا, ولكن لم يكن لديه قارب فلجأ إلي مساعدة الآخرين له. وعندما كان الغني مارا بجانب الحب في قارب كبير, ناداه قائلا:أيها الغني, هل من الممكن أن تأخذني معك؟ أجابلا, لن أستطيع لأن معي كمية كبيرة من الذهب والفضة في القارب, ولا يوجد مكان لك. فقرر الحب أن يسأل الغرور الذي كان يمر بجانبه في مركب رائع, قائلا له:أيها الغرور أرجو منك أن تساعدني فرد عليه قائلا:لا أستطيع مساعدتك يا صديقي, فأنت مبتل بالمياه, ومن المحتمل أن تدمر قاربي. ثم مر الحزن بالقرب من الحب, فطلب منه المساعدة قائلا:أيها الحزن, دعني أذهب معك.فأجابهآه يا عزيزي, إنني حزين جدا, وأريد أن أكون بمفردي. ثم مرت السعادة بجانب الحب, ولكنها لم تسمع نداءه واستغاثته نتيجة فرحتها وابتهاجها. وهكذا استمر الخب في طلب المساعدة من جميع الذين مروا بجانبه دون جدوي. ولكن فجأة سمع الحب صوتا يناديه قائلا:تعال أيها الحب, سآخذك معي. لقد كان هذا الشخص كبيرا ومتقدما في العمر, وفي هذه اللحظة شعر الحب بأنه مبارك وسعيد جدا, حتي لم يخطر علي باله أن يسأله عن اسمه وهويته. وعندما وصلا إلي أرض جافة, ذهب هذا الشخص في طريقه ومضي, وأدرك الحب أنه مدين له بالكثير, ثم نظر إلي المعرفة التي كانت تتحلي بالحكمة, وسألها قائلا: من ذا الذي قام بمساعدتي؟ أجابته:إنه الزمن ثم سأل الحب متعجبا:الزمن؟ولماذا قام بمساعدتي؟ ابتسمت المعرفة وأجابت بحكمتها العميقة:لأن الزمن هو الوحيد الذي يستطيع فهم مدي عظمة الحب فالمحبة لاتموت أبدا وكل ما نقوم به بإخلاص في محبتنا يظل دائما أبدا, لأن الحب الحقيقي يعطي من الذات لأجل سعادة الآخرين, وعندما يتملك حب الله علينا ويسكن في قلوبنا, لن نتردد أبدا في القيام بأي تضحية من أجل الآخرين,لأن المحبة لا تعرف حدودا ولا مكانا ولا زمانا, بل تتعدي وتتخطي كل حد. والإنسان الذي يفقد لغة الحب مع الناس, لن يستطيع أن يقول شيئا مهما تكلم كثيرا, لأن حقيقة الإنسان هي الحب, ومن يحب يتسلح بقوة الحق فيما يقول أو يفعل, وفي النهاية سيقنع الغير, لأن كلامه وأفعاله سيكون لها أثر كبير علي الآخرين, كما أن المحبة ليست دستورا أخلاقيا للتعايش السلمي فقط, بل دستور صحي أيضا يلتزم به كل من يرغب في أن يعيش بسلام وسعادة, لأن راحة البال والطمأنينة لاتتحقق إلا في جو المحبة وقبول الآخر ونسيان الذات في سبيل الغير, ولايشعر قلب الإنسان بالراحة, إلا حين يلتهب فيه الحب نحو الجميع. والمحبة هي أسمي وأروع الفضائل الإنسانية, وتدوم دائما أبدا مهما كانت الظروف والعوامل الخارجية, ولا تعرف حدودا بل تفوق وتتخطي كل حد, والإنسان الذي يحب لا يشعر أبدا بثقل التضحية أو التعب أو فقدان أي شيء مما يملك, كما أنه في أتم الاستعداد للتعاون مع الجميع وخدمتهم والوقوف بجانبهم بينما الشخص الذي يحب يكون أنانيا ومغرورا ويفعل مثل المشاعر التي لم تقف بجانب الحب وتخلت عنه, عندما كانت الجزيرة علي وشك الغرق, لأن كل واحدة منها كانت تفكر في ذاتها فقط, ولم تعرف قيمة الحب الذي يضحي من أجل الجميع. ونختم بالعبارة الرائعة للكاتب الفرنسي جيلبير سيسبرون:أنا أحب إذا أنا موجود.