يقول داود النبي: لو أن عدوا أهانني لاحتملته, ولو أن مبغضي تطاول علي لأتقيته, بل كانت إهانتي منك.
يا ندي يا أليفي وموضع ودي, ومن كنت وإياه أطيب العشراء نسير إلي بيت الله علي الصفاء (مزمور54). يا لها من مرارة وحزن عندما نعيش هذه الخبرة التي فيها ينقلب الصديق والرفيق وموضع الثقة, إلي عدو حاقد ومنتقم!.
لقد تم إلغاء مباراة كرة القدم عام 1937 بعد وقت قصير من انطلاقها نتيجة الضباب الكثيف الذي انتشر في المكان, فغادر الجميع أرض الملعب باستثناء حارس المرمي سام بارترام, الذي لم يسمع صفارة حكم المباراة بسبب صخب الجماهير خلف مرماه, وظل يحرسه لمدة خمسة عشر دقيقة متحفزا لأية تسديده مباغتة وعندما أخبروه بقرار الإلغاء قال: لقد أحزنني كثيرا أن ينساني ويتجاهلني رفاقي بالرغم من أنني أحرسهم لقد ظننت أننا كنا نهاجم الوقت, كم من الوقت أهدرناه ونحن نحرس ظهورا غادرتنا لحظة حراستها؟ وكم قمنا بالدفاع عن أشخاص هاجموننا عند أول خلاف؟! وكم أضعنا من حياتنا من أجل أشخاص لا يقدرون تضحياتنا؟ إنه الواقع المرير الذي يعيشه الكثيرون, لذلك يجب علينا ألا نحزن أو نيأس جراء أفعال أشخاص لا يعرفون معني الصداقة الحقيقية, وما أجمل أن نجد صديقا يحبنا لذاتنا, لا لمالنا أو ممتلكاتنا وليس من أجل مصلحة ما, صديقا يقف بجانبنا وخلف ظهرنا في كل حين, في السراء والضراء في لحظات السعادة وأوقات التعاسة, في الرخاء والضيق ويفرح لنجاحنا وتألقنا في الحياة, ويحزن عندما نمر بأزمات أو ضيقات! فلا يستطيع أي شخص العيش دون صديق أو رفيق, وإن ملك كنوز العالم, ومع ذلك لا يوجد صديق بلا عيوب, لذلك يجب علينا أن نضحي من أجل الآخرين, ونحب بصدق وإخلاص ويكون شعارنا أن نعطي لا أن نأخذ فقط, فلا دوام للصداقة الأنانية, فأعظم عطية نحصل عليها من أصدقائنا, شخصهم وليس ما عندهم, لأنها ليست مبنية علي عقد, بل اتحاد بين الطرفين.
ولا تعتمد علي التملك والاستحواذ, ولكن وجود الواحد من أجل الآخر, لذلك تحثنا الكتب المقدسة في التأني والحكمة عند اختيار الصديق قبل الوقوع في الفخ, إذا اتخذت صديقا فاتخذه بعد الامتحان ولا تثق به سريعا (يشوع بن سيراخ 6:7), وهناك أنواع كثيرة من الصداقة, ولكن للأسف نادرا ما نجد فيها الصدافة الحقيقية ومن أمثال ذلك: صداقة اللحظة والتي تعرف بالمصلحة الوقتية, وصداقة المنفعة والتي فيها يتردد الشخص علينا كلما احتاج إلي شيء وصداقة المناسبات وفيها يبحث الصديق عنا ليملأ وقته, وصداقة الدراسة التي يقترب فيها الصديق للحصول علي معلومات دراسية, وصداقة الثرثرة وهدفها نقل الكلام من شخص لآخر بمقدار النفع العائد منها, ولكن الصديق الحقيقي هو الذي لا يتخلي عنا أبدا مهما كانت ظروف الحياة, ونجده في وقت الفرح والحزن, الغني والفقر, الصحة والمرض, ولا ينتظر مقابلا لمحبته, فالصديق عكس الثياب, كلما كان قديما كان أمتن.
وهنا نتساءل ماذا نفعل تجاه الصداقة المزيفة, لنقرأ كلمات الأم تريزا مؤسسة راهبات المحبة التي كتبتها علي جدار منزلها بمدينة كالكوتا بالهند: غالبا ما يتصرف الناس تصرفا أنانيا وبدون تفكير ومنطق, علي كل حال اغفر لهم.
وإذا كنت لطيفا, قد يتهمك الناس بأنك غبي, ومع ذلك كن لطيفا, وإذا كنت ناجحا ستكسب بعض الأصدقاء الكذبة, وبعض الأعداء الحقيقيين, وبالرغم من ذلك اسعي في النجاح, و إذا كنت صادقا وصريحا فقد يخدعك البعض ومع ذلك كن صادقا وصريحا, ما قمت ببنائه طوال سنوات عديدة, قد يدمره شخص بين عشية وضحاها علي كل حال استمر في البناء, إذا وجدت الطمأنينة والسعادة, قد يحسدك عليها الآخرون, ومع ذلك كن سعيدا, الخير الذي تفعله اليوم قد ينساه الناس غدا, علي كل حال افعل الخير, تعطي العالم أفضل ما لديك وربما لن يعتبرونه كافيا, ومع ذلك أعط العالم أفضل ما عندك, ولا نستطيع أن ننسي الفارقة الغريبة التي تحدث مع معظمنا, وهي أنه من السهل أن نشارك الأصدقاء آلامهم وأوجاعهم ومشاكلهم, لكن من الصعب أن نفرح معهم لنجاحهم وتفوقهم, وهنا نستطيع اختبار مقياس المحبة الصادقة, والتي لا غش فيها لأن الكثيرين يغذيهم الحقد والغيرة عندما يشعرون بنجاح الآخر وتفوقه وزيادة ثروته, إذا يجب أن نضع في الاعتبار أن اكتشاف صديق حق ليس بالأمر الهين, ونختم بالقول المأثور العالم بدون أصدقاء صحراء قاحلة