قراءة في ملف الأمور المسكوت عنها (957)
عقب أداء الرئيس السيسي اليمين الدستورية إيذانا ببدء فترة رئاسية جديدة تمتد حتي عام 2030, أسهمت أقلام كثيرة في الكتابة عما يحدوها من آمال لاضطلاع الرئيس بالعمل للنهوض بملفات شتي في المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية, وعلي رأسها رفع مستوي معيشة المواطن المصري ودعمه في مواجهة أعباء المعيشة والتضخم وانفلات الأسعار وغيرها من الملفات الملحة, غير غافلين عن مسئوليات مواجهة متطلبات الأمن القومي والسياسة الخارجية وتوازناتها الدقيقة.
بجانب هذه الملفات المهمة, هناك ملف أظل مشغولا به وأجده لا يقل عنها أهمية.. إنه ملف التنمية الحزبية الذي يبقي مسكوتا عنه لا يتصدي له أحد سواء الأحزاب السياسية, أو لجنة شئون الأحزاب, أو البرلمان بمجلسيه… وبناء عليه يظل هذا الملف ينطوي علي وضع غير صحي لا يتناسب مع الدور السياسي المنوط به, والغريب أنه يثير تساؤلات خطيرة: هل بقاء الوضع علي ما هو عليه يخدم مصلحة بلادنا مصر السياسية والديموقراطية؟.. إذا كانت الإجابة نعم فليستمر الوضع علي ما هو عليه… أما إذا كانت الإجابة لا فما العمل؟… لهذا أستشعر مسئوليتي الوطنية أن أضع هذا الملف في عهدة الرئيس السيسي وهو يستهل فترة رئاسية جديدة وأسأله: ماذا عن ملف التنمية الحزبية؟.
ولأني كنت دوما مشغولا بهذا الملف, أرجو المعذرة في إبحاري عبر الملفات المسكوت عنها لأسترجع ما سبق أن كتبت داعيا إلي اضطلاع الأجهزة الرسمية المسئولة بما يتحتم عليها اتخاذه في مسار الإصلاح الحزبي, وهذه نبذات منه:
** كتبت في 2020/11/29 تحت عنوان المستقبل البرلماني والإصلاح الحزبي: الإصلاح الحزبي واقع ظاهره براق بينما جوهره عليل.. التعددية الحزبية التي أفرزتها سياسة حرية تشكيل الأحزاب دون وضع ضوابط أو معايير لتقييم الأحزاب المنضمة إلي الخريطة الحزبية فيما يخص توجهاتها السياسية أو معايير تواجدها في الشارع بين الجماهير أو قياس العضوية الحزبية فيها, نتج عنها تشرذم حزبي وأحزاب كرتونية لا حول لها ولا قوة… موجودة شكلا وليس فعلا. وأعود إلي ماسبق أن صرح به الرئيس السيسي في مايو 2017 في معرض حديثه إلي رؤساء تحرير الصحف القومية حين قال: دعوت أكثر من مرة إلي اندماجات بين الأحزاب المتشابهة في برامجها وتوجهاتها السياسية من أجل خلق أكثر من حزب قومي لتسهم الخريطة الحزبية في تفريخ الكوادر المؤهلة لتداول السلطة, وأتمني أن نري الأحزاب ذات الأيديولوجيات المتشابهة تسعي نحو التنسيق فيما بينها للاندماج.
** كتبت عن ذلك في هذا المكان -وأرجو المعذرة للتكرار- بتاريخ 2017/10/29, 2018/1/28, 2018/2/25, 2018/4/22, 2018/5/27, 2018/10/14, 2019/2/3, 2019/12/29, حتي إنني تساءلت: إذا ما تقاعست الأحزاب عن إدراك ذلك طوعا, وإذا ما حالت أعباء البرلمان دون التصدي لذلك بمبادرة تلقائية, تظل هناك سلطات الرئيس التي تسمح له بإرسال تكليف تشريعي أو مشروع للحكومة أو لمجلس النواب لبلوغ الإصلاح الحزبي المنشود, فهل يحمل لنا المستقبل البرلماني هذا الأمل في بلوغ الإصلاح الحزبي؟
** عدت في 2022/8/14 لأكتب عن الحوار الوطني والأحزاب المصرية, حيث كتبت: أستهل إسهاماتي في الحوار الوطني بالحديث عن الحياة الحزبية المصرية وهو حديث أقله مشرق وأكثره مر, فالمتابع للنشاط الحزبي في مصر ودرجة إسهامه وتأثيره في الخريطة السياسية سيعبر عن إحباطه وانعدام رؤيته للمأمول من هذا النشاط بالنسبة للمشاركة في العمل السياسي والممارسة الديمقراطية وقدرته علي إفراز القيادات والكوادر للإسهام في تداول السلطة سلميا … لا يمكن إغفال واقع الخريطة الحزبية الذي أفرزه مبدأ فضفاض هو حرية تأسيس الأحزاب بمجرد الإخطار فكانت النتيجة اعتماد لجنة شئون الأحزاب ما يتجاوز مائة وعشرة أحزاب لتنضم إلي الخريطة الحزبية, وهو ما يعكس ظاهريا تنوعا ووفرة بينما الحقيقة المرة أن تلك الأحزاب اكتسبت عن جدارة واستحقاق صفة الأحزاب الكرتونية التي انحصرت في مجموعاتها التأسيسية وافتقرت إلي التواجد في الشارع المصري أو امتلاك الرؤي والبرامج في العمل السياسي وتنمية العضوية الفاعلة.. لجنة شئون الأحزاب ظلت قانعة بأنها أدت دورها علي أكمل وجه وحققت المبدأ الدستوري الذي يكفل حرية العمل الحزبي وأدركت وفرة غير مسبوقة في عدد الأحزاب, لكنها لم تفطن إلي أن واجبها أن تضع آلية دورية لتقييم أداء الأحزاب التي أجازت أوراقها من حيث توجهاتها السياسية ونشاطها ومشاركتها ومعدلات نمو عضوية المصريين فيها.. لم تكترث لجنة شئون الأحزاب ببقاء الخريطة الحزبية مشرذمة مبعثرة لا تأثير لها -كان في مقدور اللجنة أن تشجع الأحزاب علي البحث عن بعضها البعض والانخراط في تكتلات سياسية فاعلة قوية- أو شطبها وترحيلها عن الساحة -ضمن خريطة سياسية تشتمل علي ما لا يزيد علي خمس كتل تتوزع علي عناصر الانتماء السياسي: اليمين- يمين الوسط- الوسط- يسار الوسط- اليسار… الواقع يشهد أن لا الأحزاب أو لجنة شئون الأحزاب بادرت بإدراك ذلك التحدي, فهل يستطيع الحوار الوطني إدراكه؟
** والآن بعد أن أعلنت مصر عن إرادتها الجمعية بانتخاب الرئيس السيسي لفترة رئاسية تالية في ديسمبر الماضي… وبعد أن أدي الرئيس اليمين الدستورية في الثاني من هذا الشهر ليتولي قيادة هذا البلد لفترة رئاسية تمتد حتي عام 2030, وكما أسلفت في صدر هذا المقال فإنني أعهد إليه امتدادا لإنجازاته التنموية في شتي مناحي الحياة علي أرض مصر بملف التنمية الحزبية من أجل تعبيد الطريق نحو المشاركة السياسية الفاعلة والاستحقاق الديمقراطي لتداول السلطة.