أمس السبت 24 فبراير كان ذكري انقضاء عامين علي الحرب الروسية- الأوكرانية التي اندلعت في 24 فبراير 2022 ولا تزال فصولها تتوالي حتي اليوم بالرغم من ميل كفة ميزان الغلبة لصالح روسيا, وذلك راجع إلي عناد القوي الغربية بقيادة أمريكا وتوابعها الأوروبيين وإغداقهم علي أوكرانيا بالمال والسلاح والخبرات العسكرية بغية تعويق تحقيق انتصار عسكري روسي في ميادين المعارك, وبينما يلوح للبعض أن ذلك الموقف راجع إلي تعاطف غربي مع الشعب الأوكراني تكمن الحقيقة المرعبة في التنافس الشيطاني بين المعسكر الغربي وترسانته العسكرية وبين المعسكر الشرقي وترسانته العسكرية ومن منهما ستكون له الغلبة في تلك المواجهة… ومن المؤسف حقا أنه ثبت من متابعة فصول تلك الحرب سواء في عامها الأول أو في عامها الثاني أن طرفيها -بوساطة أطراف دولية- كانا علي وشك الاتفاق علي إنهاء المعارك الحربية واللجوء إلي مائدة المفاوضات, إلا أن أوكرانيا تراجعت عن ذلك بإيعاز أمريكي/ أوروبي يتملكه الغرور والصلف والإصرار علي هزيمة روسيا, وهو ما لم يحدث حتي الآن, بل كما أسلفت, تشير الشواهد إلي ميل كفة ميزان الغلبة لصالح روسيا, علاوة علي شواهد أخري تشير إلي تراجع كثافة المساعدات التي كانت تتدفق من الغرب علي أوكرانيا وتبرم بعض دول المجموعة الأوروبية من طول فترة الحرب وإنهاكها من جراء تنامي مطالب أوكرانيا.
وإذا كنت أعيد اليوم فتح ملف الحرب الروسية- الأوكرانية, فذلك يرجع إلي أكثر من سبب, أولها أن متابعة تطوراتها شهدت انحسارا كبيرا سواء في منطقتنا أو في العالم منذ أكتوبر الماضي واندلاع الاجتياح الإسرائيلي لغزة المستمرة فصوله حتي الآن, وثانيها أنه قد مضي عام ثان علي انطلاقها ومن المناسب تسليط الضوء علي آخر ما وصلت إليه من تطورات -وأذكر في هذا الصدد أنني نشرت في هذا المكان بتاريخ 2022/3/6 توثيقا حول مسببات هذه الحرب تحت عنوان: ماذا يقول بوتين عن اجتياح روسيا لأوكرانيا, ثم عدت لأكتب بتاريخ 2023/3/19 تحت عنوان: قراءة في خطاب بوتين بعد عام من حرب أوكرانيا… والآن يأتي ثالثها بعد انقضاء عامين علي تلك الحرب, ويأتي في صورة مضمون الحوار الذي أجراه الإعلامي الأمريكي تاكر كارلسون مع الرئيس بوتين في موسكو منذ نحو أسبوعين وقدم من خلاله شهادة الرئيس الروسي حول ما وصلت إليه تداعيات الحرب وتقييمه لها ورؤيته لسيناريوهات حسمها.
ودعوني في هذا الصدد أقدم قراءة في أهم ملامح هذا الحوار الذي يعد شهادة توثق لتاريخ الحرب علي الأقل من جانب الطرف الروسي فيها:
** بدأ بوتين الحوار باستعراض الخلفية التاريخية لظهور روسيا وتشكيلها منذ القرن التاسع الميلادي وحقيقة علاقة أوكرانيا بروسيا علي مر التاريخ وحتي الثورة البلشفية في أكتوبر عام 1917 عندما قام لينين زعيم هذه الثورة بإهداء أراضي منطقة دونباس إلي أوكرانيا وما نتج عن ذلك من تأسيس علاقات جوار وصداقة بين روسيا وأوكرانيا…
** أعاد بوتين التذكير بما جري بينه وبين الرئيس الأمريكي الأسبق بيل كلينتون عام 2000 -وكان ذلك بعد انهيار الاتحاد السوفيتي وبدء عهد الوفاق بين روسيا والغرب- حول طرح فكرة قبول انضمام روسيا إلي دول حلف شمال الأطلنطي ناتو والتي حازت علي إعجاب الرئيس كلينتون, إلا أنه عاد ورفضها بعد استشارة مرافقيه, وهو الموقف الذي عاد وتكرر مع الرئيس جورج بوش الابن عام 2008.
** عرج بوتين علي خطة الدفاع المضاد للصواريخ التي دأب الغرب علي تهديد روسيا بها, وقال إنه عرض مشاركة روسيا مع الغرب في تأسيس مشروع مشترك للدفاع الصاروخي وافق عليه جورج بوش الابن ثم عاد ورفضه, مما دفع روسيا إلي المضي قدما في تأسيس مشروعها الخاص للدفاع الصاروخي منفصلة عن الغرب, وهو المشروع الدفاعي الفرط صوتي الذي صارت تملكه ولا يملك الغرب مثيلا له حتي اليوم.
** تطرق بوتين إلي الحديث عن عمليات توسع حلف ناتو عبر أراضي الدول التي انفصمت عن الاتحاد السوفيتي -رغم الوعود المتكررة بعدم الانسياق في ذلك- وتوالي ذلك منذ عام 1994 حتي عام 2008 عبر موجات خمس انتهت بالإعلان عن قبول انضمام كل من أوكرانيا وجورجيا للحلف, الأمر الذي سرعان ما تحول إلي تأسيس قواعد عسكرية للناتو قريبا من الحدود الروسية وهو ما دفع بوتين إلي التحذير من مغبة ذلك في أواخر عام 2021.
** استعرض بوتين الجهود الغربية المحمومة للتدخل في الانتخابات الأوكرانية منذ عام 2004 حتي عام 2014 والتي أسفرت عن تدبير انقلاب عسكري أطاح بالرئيس الشرعي المنتخب فيكتور يانكوفيتش وإطلاق معارك تحرير جنوب شرق أوكرانيا بالقوة المسلحة.
** انتقل بوتين إلي التصريح بأن روسيا لا ترفض الجلوس لمائدة المفاوضات مع أوكرانيا, وهو ما سبق أن توصلت إليه الدولتان في إسطنبول برعاية تركية, لكن عادت أوكرانيا لتتنصل منه بإيعاز من بوريس جونسون رئيس وزراء بريطانيا نتيجة توجيهات أمريكية.
** أعلن بوتين أن روسيا عصية علي الهزيمة في ساحة القتال, وأنها أكبر دولة في العالم من حيث المساحة وليست في احتياج إلي أراضي الغير, وسكانها الذين يبلغ تعدادهم 150 مليون نسمة يملكون أكبر قدر من ثروات العالم… لكن لها مطلق الحق في اتخاذ جميع التدابير التي تؤمن سيادتها علي أراضيها وتحميها من تسلل القوي المعادية نحو حدودها وما يمثله ذلك من تهديد لأمنها القومي, وهو الأمر الذي طالما قامت بالتحذير من حدوثه… لذلك فإن ما اتخذته من إجراءات في حربها ضد أوكرانيا يستهدف تأمين حدودها ضد الزحف الغربي المهدد لها.