هل البقاء علي اتصال دائما يمكن أن يسبب مشكلات؟ لقد جعلتنا أجهزتنا علي اتصال دائم بالعالم الرقمي, وأصبحنا قادرين علي الوصول إلي المعلومات فورا, ومع تدفق لا ينتهي من المحتوي أصبحنا نقضي وقت أطول في النظر إلي هذه الشاشات, قد تصل لدي البعض لأكثر من 10 ساعات يوميا, وبسبب تزاحم الأخبار والترفيه والمعلومات أصبحنا غير قادرين علي رؤيتها.
في حياتنا اليومية, نحن نعرف معني أن نكون متواجدين دائما, فنقوم بالتحقق المستمر من رسائل البريد الإلكتروني, ونتراسل نصيا, ونتمكن من رؤية العالم الواسع الكبير من خلال عدسة كاميرا هواتفنا الذكية, والأمر لا يتوقف علي الأشخاص لكن أيضا الشركات فالتواجد الدائم والاتصال المستمر يعني المزيد من البيانات, والمزيد من الطرق للوصول إلي المستهلكين, والمزيد من فرص المشاركة, بكل تأكيد التواجد الدائم له فوائد لكن له أيضا الكثير من الجوانب السلبية.
لقد أصبح الإشباع الفوري للمعرفة والتسلية متاحا دائما طالما المستخدمين موجودين, ومكنهم من القدرة علي الهروب نحو الشاشات, خاصة أثناء العمل أو أوقات الراحة, ومع إنشاء الكثير من المحتوي واستهلاكه ومشاركته, ظهرت مشكلة انتشار المعلومات الخاطئة بسرعة, خاصة عندما لا يأخذ الأشخاص الوقت الكافي للتحقق منها, ما يسبب اختلاط لديهم بين الصحيح والخاطئ.
أن نكون متاحين دائما علي شاشات هواتفنا, فقد يؤثر هذا الإفراط سلبيا علي صحتنا الجسدية والعاطفية, بما في ذلك إجهاد العين والصداع, لهذا نحتاج أن نمنح عقولنا بعض الوقت للراحة والتفكير في المعلومات التي تعرضنا لها, فطالما هناك تدفق مستمر للمحتوي يلعب التشتيت دورا كبيرا في اقتناعنا بها.
وبسبب هذا التدفق الكبير للمعلومات, ظهر كثير من البرامج والتطبيقات وحتي الإعدادات علي الأجهزة للتحكم في الوقت المنقضي عليها, كل هذا للحد من عدم توازن الاستخدام وللمحافظة علي الصحة العقلية والعاطفية.
تساءل كثيرون: هل احتضان فوائد التكنولوجيا يعني التنازل عن حقوقنا في الخصوصية؟ فهناك اختراق من الآخرين لمساحاتنا الشخصية, والحقيقة أن تحديد حدودنا الجديدة في العالم الرقمي ليس بالمهمة السهلة, فالجميع علي اتصال, يشاركون ما يخصهم في الفضاء الواسع وهو ما خلق شعورا بتقليص مساحة الذات الرقمية.
قد نكون متصلين بشكل أفضل من أي وقت, فلم تعد طريقة تواصلنا هي الطريقة الوحيدة التي كانت قديما -وهي الاتصال الشخصي- ولكن هذا الاتصال أصبح أكثر تعقيدا, لدرجة أننا ننام محتضنين هواتفنا الذكية, ونتحقق من الرسائل قبل أن تلمس أقدامنا الأرض في الصباح, أو بينما نتناول وجبات الطعام, وبينما نعمل, وبينما نسترخي أمام شاشات التليفزيون, ونخشي أن نغلقها أثناء النوم خوفا من حدوث شيء ما ولا نعرفه.
ومع كوننا متاحين دائما, فالأكثر تعقيدا هو أن البعض لديه أصدقاء كثيرون علي شبكات التواصل ولكنهم وحيدون جدا, البعض يضحي بالمحادثة الحقيقية من أجل اتصالات بصور ورموز, والبعض يزيف تجاربه وأنشطته حتي يكون لديهم شيء لمشاركته عبر الإنترنت, البعض يخلق صورا مذهلة لنفسه ثم يشعر بالقلق من أجل الحفاظ عليها, يمكن أن يتحول الاتصال دائما إلي حالة من العزلة والوحدة.
لقد أثرت علينا التكنولوجيا وتعلقنا بهواتفنا لدرجة أنه كم من مرة بحثنا عن هواتفنا المحمولة ونحن نتكلم فيها, وكأنه لا يمكن أن نقضي اليوم بدونها, فبدونها نشعر أن هناك جزءا منا مفقودا, وهل يمكن أن يأتي وقت ولا يحدث لنا هذا؟