لماذا شبكة الطرق والكباري؟ أليس من الأفضل إنشاء مصانع بدلا منها؟ أو مدارس أو مستشفيات؟ أسئلة تداولها البعض مشككا في أهمية المشروعات القومية العملاقة التي تم إنشاؤها فيما يتعلق بالطرق.
ولكن يشهد لنا التاريخ منذ بداية الحضارات, أن الطرق كانت العنصر الرئيسي في ربط الأماكن والأشخاص ببعضهم البعض, فهي جسور تمكن من وصول كل شيء لمكان آخر, بداية من السلع والبضائع إلي الثقافة, فمثلا تمكنت الإمبراطورية الرومانية من نشر ثقافتها ونفوذها في جميع أنحاء أوروبا لأنها كانت تمتلك نظام طرق متطورا.
فما فائدة أن نبني مدراس ومصانع ومستشفيات ولا توجد طرق تربطها بعضها ببعض؟ إن الحكمة من مد آلاف الكيلومترات من الطرق في كل أرجاء جمهورية مصر العربية هي ضخ الدماء عبر شرايين الطرق لإنعاش الاقتصاد, فنتمكن من ربط المنتجين بالأسواق, والعمال بوظائفهم, والطلاب بالمدارس, والمرضي بالمستشفيات, ما يشكل أهمية بالغة لأي أجندة إنمائية, والدليل أن البنك الدولي يقرض لمشروعات الطرق أكثر مما يقرض التعليم والصحة والخدمات الاجتماعية مجتمعة.
الطرق جزء حيوي من حياتنا اليومية, لأننا نقود فيها سياراتنا, ونستقل وسائل النقل العام, ونسير عليها للوصول إلي الوجهة التي نريدها, إذن نحن بحاجة لها للتحرك والتواصل والعمل حتي لا نكون منعزلين. والإنجاز الذي تم علي أرض الواقع وفر ساعات طويلة من الانتظار علي طرق ضيقة دون سلاسة مرورية وكذلك صنع سيولة مرورية وشبكة متدفقة للنقل, فقد تم إنشاء وتعبيد 7000كم من الطرق الجديدة تم الانتهاء من أغلبها, مثل تطوير طريق الصعيد الصحراوي وطريق الصعيد- البحر الأحمر, وتطوير طريق النفق- شرم الشيخ وتطوير الطريق من نفق الشهيد أحمد حمدي إلي طريق السويس وطريق سفاجا القصير مرسي علم وطريق المنصورة جمصة, وإنشاء طرق شبرا بنها الحر والقوس الشمالي من الطريق الدائري الإقليمي وطريق الجلالة وطريق الخدمة بطريق القاهرة السويس في المسافة من الطريق الدائري الإقليمي حتي الطريق الدائري, بالإضافة إلي العمل علي تطوير ورفع كفاءة طريق السويس السخنة وازدواج طريق أسيوط سوهاج وتطوير وازدواج طريق 6 أكتوبر الواحات وتطوير طريق السويس الإسماعيلية.
الطرق هي التي تصنع بنيتنا التحتية, فقد ربطت شبكة الطرق المدن القديمة بالمجتمعات العمرانية الجديدة, لتفتح شرايين تنموية جديدة تسهل عملية نقل البشر والبضائع, وعامة فإن إنشاء الطرق له تأثير علي الاقتصاد علي المدي القصير يتمثل في خلق فرص عمل جديدة, وتشير التقارير أن كل مليار دولار يتم إنفاقه علي البنية التحتية, يحفز ما يقدر بنحو 42100 وظيفة وأن كل دولار يستثمر في الطرق يحقق ضعف الأرباح. أما تأثيرها علي الاقتصاد طويل المدي, يتمثل في توفير الوقت, وقد قدرت دراسة أجراها معهد النقل في تكساس أن سائقي السيارات يقضون ما يصل إلي 5.5 مليار ساعة عالقين في حركة المرور سنويا في مناطق المدن, مما يهدر 120 مليار دولار من الوقت والوقود, وأشارت إلي أن استثمار دولار واحد في البنية الأساسية يعود بما يزيد علي ثلاثة أضعاف هذا المبلغ علي النشاط الاقتصادي.
وتطوير الطرق أدي إلي التقليل من دماء الأسفلت, فقد انخفضت نسبة الحوادث وبالتالي عدد الإصابات والوفيات بحسب وزارة النقل 29% من 2014 حتي 2021, والانخفاض بنسبة 10% سنويا, منذ عام 2013 وحتي الآن, وحدثت نقلة نوعية في مركز مصر العالمي في مؤشر جودة الطرق ففي خمس سنوات من 2014 إلي 2019 قفزت 100 نقطة من 128 إلي المركز 28 عالميا.
وتعد الطرق هي أرخص وسائل التنقل وأكثرها فعالية, فهي أسرع مثلا من الشحن عبر السفن, وهي تجعل التجارة ممكنة بدونها قد تزيد أسعار المنتجات أو الخدمات المقدمة, كما أن وجود بنية تحتية جيدة يدخل ضمن حسابات بدء أي عمل تجاري, فلماذا يأتي مستثمر ويبدأ عمله إذا كانت فرصة الوصول من وإلي وجهته معقدة؟ عندما يعرف المستثمر أنه يمكن توصيل منتجاته بسهولة, سيشعر بمزيد من الأمان وهذا سيشجع الاستثمار من قبل آخرين.
وتؤكد الدراسات أن الطرق السيئة تؤدي لخسارة الدول 1% أو أكثر من ناتجها المحلي سنويا, لذا هي تمثل عمودا فقريا للاقتصاد فبدون الطرق, سيكون من الصعب للغاية تدفق الثروة.
كما أن الطرق تلعب دورا كبيرا لضمان ازدهار السياحة, فالطرق السيئة تساهم في تشكيل صورة سلبية عند صناعة السياحة في أي دولة, وللطرق أهمية بالغة في أوقات الأزمات والكوارث, فبدون شبكة طرق مناسبة سيكون من الصعب إخماد حريق كبير مثلا أو إغاثة سكان عقار منهار.
الطرق هي شريان التنمية, ليست مجرد كتل خرسانية لا فائدة منها بل هي السبب الرئيس في رفع الحالة الاقتصادية وخدمة الحركة التجارية, وزيادة الإنتاج والمغير الأول لشكل الخريطة الاستثمارية, فبسبب سلاسة وسيولة النقل أصبح من السهل مد التنمية العمرانية في المدن الجديدة, وكذلك استصلاح الأراضي الزراعية وإنشاء المصانع والمساهمة في جذب الاستثمار والأهم الوصول بسلاسة إلي المدرسة والمصنع والمستشفي.