مشوار الألف ميل يبدأ بخطوة.. بناء الأهرامات الضخمة العظيمة بدأ بحجر ولكن المهم أن نبدأ بهذه الخطوة أو نضع هذا الحجر. والمهم ألا يبحث كل منا عن الفرد الذي يبدأ هذه الخطوة, وبدلا من البحث عن هذا الشخص البطل أو المميزيجب أن يبدأ كل إنسان بنفسه.
وقد نتساءل عن معني هذا الكلام في ذلك الوقت بالذات, والواقع أننا في المرحلة التي نعيش فيها نحتاج إلي جهد كل منا وإخلاصه ومثابرته.
وكلنا نشكو من قذارة العاصمة وقذارة الشوارع ومرافق النقل والمواصلات والأماكن العامة, وينتهي بنا الأمر عند الشكوي وهز الكتف ولا نفعل شيئا بعد ذلك.
وفي تصوري أن النظافة ـ نظافة كل مكان ـ مسئولية الأفراد الذين يعيشون فيه أو يرتادونه أو يذهبون إليه ولو حرص كل فرد علي نظافة المكان الذي يوجد به حرصه علي نظافة منزله لاختفت كل مظاهر القذارة التي نشكو منها.
والأم في بيتها تحب أن يكون بيتها نظيفا مرتبا, وأن تنهر أولادها لو أهملوا أو تسببوا في اتساخ ملابسهم, أو أي مكان بالمنزل, ولكنها قد تترك طفلها دون كلمة توبيخ عندما يلقي من النافذة بقشور الفاكهة التي يأكلها أو بقشر اللب الذي يتسلي به, وربما اشتركت هي نفسها في إلقاء القاذورات من منور المنزل أو إلقاء بقايا وقشور الأطعمة في الشارع دون أن تدرك التناقض بين توبيخها لأولادها في الحالة الأولي وعدم توبيخهم في الحالة الثانية وهذ هو سر عدم النظافة الذي مازالت تعاني منه شوارعنا, ماذا يمكن أن تفعل هي!.. هل هي التي ستنظف الشوارع!.. هل هي التي سوف تحافظ علي جمال ونظام ونظافة المحلات والمرافق العامة! وماذا يفعل إذن الرجال المسئولون عن أعمال النظافة! وماذا يمكن أن تفعل هي إذا كان الآخرون لا يحافظون علي النظافة أو النظام؟
إن هذا المنطق هو منطق المغالطة والتهرب من المسئولية, إنها لن تستطيع إجبار الآخرين علي التصرف بطريقة معينة ولكنها تستطيع أن تبدأ بنفسها, تستطيع أن تبدأ بأولادها, ولن يتم إنجاز أي شيء إذا كان كل منا ينتظر من الآخرين أن يبدأوا هم الخطوة الأولي.
إن الأم بين أولادها تستطيع أن تعلمهم وتبث فيهم العادات والقيم الصالحة, وتستطيع أن تعودهم علي النظافة, نظافة أنفسهم وممتلكاتهم وممتلكات الغير والدولة أيضا, وتستطيع أن تعودهم علي حب النظام واحترام الغير واحترام حقوقهم, وأن تعودهم علي احترام القوانين والخضوع لها بدلا من التفنن في الطرق التي يمكن أن يتهربوا بها من القانون ويدوسوه, إنها هي التي تستطيع أن تعلمهم أن يبدأوا بأنفسهم دون انتظار البداية من الآخرين, وهي التي تستطيع أن تعلمهم المحافظة علي المرافق العامة وممتلكات الدولة لأنها جزء من حياتهم وكيانهم.
ومن مجموع أولادها وأولاد الآخرين يتكون أبناء الوطن كله, يتكون أبناء شبوا علي عادات وقيم ومفاهيم مختلفة عن العادات والقيم والمفاهيم البالية.
ويجب أن نعلم أن أغلب الدول المتقدمة النظيفة التي يسودها النظام يختفي فيها عمال النظافة ويحترم المواطنون القوانين والمنشآت العامة.
وكما بدأنا يجب أن نعرف أن مهمة تغيير العادات والقيم ليست صعبة بالصورة التي نظنها لأن مشوار الألف ميل يبدأ بخطوة.