ظاهرة جديدة أصبحت تتكرر بشكل أو بآخر كل عام, وأصبحت تمس قيمة من أهم القيم التي نحرص علي أن نبثها في أولادنا ونغرسها في نفوسهم, نقول دائما إنه عند الامتحان يكرم المرء أو يهان, ولكنه وفي الحقيقة لا يهان, ومن أين تأتي له الإهانة إذا كان لابد وأن ينجح بأي شكل من الأشكال سواء كان قد سهر الليالي وشقي وكد من أجل استذكار دروسه, أو لعب واستهان وقضي أيامه ولياليه في لهو وفي مشاهدة تليفزيون, الجميع يستوون أمام الامتحان فالتلميذ أو التلميذة يدخل لجنة الامتحان وفي ذهنه اعتبار واحد لا يحيد عنه وهو أنه لابد وأن ينجح بأي شكل, وهو يستعين بالزملاء وبالبرشام ثم أخيرا وهو الأمر والأدهي بالمراقبين أنفسهم.
أقول هذا الكلام بعد أن ضج كثير من التلاميذ والتلميذات وكثير من الآباء وأولياء الأمور مما يحدث داخل لجان الامتحانات علي كل المستويات بلا استثناء, بعض التلاميذ الذين تربوا داخل بيوتهم ومدارسهم علي ضرورة تعلم الأمانة والتمسك بالصدق والسلوك السوي, والذي تعلموا أنه من الضروري الاعتماد علي النفس والجد والاجتهاد وسهر الليالي يصدمهم ما يحدث داخل لجان الامتحان فهو يستوي مع جاره الذي لم يستذكر ولم يتعب ولم يسهر ولم يعتمد علي نفسه, ولم تخطر الأمانة علي باله بالمرة, دائما اعتمد علي الغش والتحايل لكي ينجح, بعض هؤلاء التلاميذ عادوا إلي بيوتهم وقد صدمهم ما يحدث أمام عيونهم, وبعضهم اهتزت في نفوسهم القيم التي تعلموها, ووجدوا أنها بلا جدوي أو فائدة, وبعضهم امتلأوا ثورة وهم يجدون أن تعبهم أصبح بلا معني أو فائدة.
وتعالوا نستمع إلي ما يحدث داخل بعض لجان الامتحانات مما يجري علي ألسنة التلاميذ والتلميذات وبعض المراقبين والمراقبات أيضا.
في اللجنة يشاهد المراقب أو المراقبة البرشام بين أيدي التلاميذ, ويتظاهر بأنه لم يشاهد شيئا وبعد أن ينتهي التلميذ من الغش يأخذها منه في هدوء أو يترك الحبل علي الغارب لكل تلميذ يتحدث مع جاره أو يتبادل معه ورقة الأسئلة بعد أن يكون قد ملأها بالإجابات المطلوبة, أو يقوم هو نفسه بعملية تغشيش التلاميذ من ورقة من ورقات الإجابة التي في يده بعد أن تكون صاحبتها أو صاحبها قد سلمها وخرج من اللجنة, وكل ذلك أمام عيون وأبصار التلاميذ والتلميذات, والبعض سعيد وراض لأن ذلك السلوك يتيح له عملية غش سهلة, ومريحة, والبعض غاضب متضايق لأن هذا السلوك يتاح للكل أن يتساووا أما الامتحان الذي استعد له والذي لم يستعد.
أما المراقبون فبعضهم شديد, يريد أن يسير كل شيء علي ما يرام, يرفض أن يسمح بالفوضي في داخل اللجان, وهذا النوع يسمونه سخيف وحمبلي, ويريد أن يثبت أهميته ويستمع إلي كلمات لوم من الآخرين, إن شدته سوف تضطر التلاميذ إلي البقاء داخل لجنة الامتحان إلي أن ينتهي الوقت المحدد له وهم يريدون أن ينتهي التلاميذ من الإجابة وأن يخرجوا ليذهب كل واحد منهم إلي حال سبيله, ثم لماذا الشدة.. رأفة بأولادنا المساكين, أليس لدي هذا المتشدد أولاد, ألا يرق قلبه من أجل هؤلاء الأطفال الذين مثل أولاده, وإذا كنا لا نرأف بحال أولادنا فلنرأف بالآباء الأمهات الذين يتعبون ويشقون طول العام ويدفعون دماء قلوبهم في الدروس الخصوصية, بعد ذلك نتشدد ولا نتيح لهم فرصة النجاح؟!
وقد تبدو هذه الحجج غريبة وقد تبدو جديدة علي أسماعنا, ولكنها ليست من نسج الخيال فقد حدثت فعلا وحقيقة.
وبعد ذلك لا يجب أن يعلو صوتنا ونقول إن مستوي التلاميذ أصبح سيئا, ولا يجب أن نطلب من أولادنا الصدق والأمانة والاجتهاد والسلوك السليم, ولنبحث عن أي نوع من القيم الأخلاقية هذا الذي نبثه في أولادنا ولا نلوم إلا أنفسنا عندما نري التلاميذ وقد انحرفوا وساروا في طريق الخطأ فنحن نتيح له الغش ليس هذا فقط بل نسهله ونبرره ونفلسفه, وننسي أن الذي يغش في الامتحان يسهل عليه أن يكذب أو يسرق فهو كما سرق إجابات الامتحان يمكن أن يصبح مواطنا لصا غير أمين, وموظفا منحرفا غير مبال, أو مرتشيا أو نصابا.
إنها كما قلت ظاهرة خطرة وبدأت تسود في مجال الامتحانات ومن الواجب أن ندق ناقوس الخطر قبل أن يتفشي هذا السلوك المنحرف في كل جانب من جوانب حياتنا..