مخاوف الطفل الخيالية, وهي لا تتفق مع العقل والواقع والمنطق, من أين تنشأ؟.. وما هي أسبابها؟.. وكيف يمكن مواجهتها وعلاجها والوصول بالطفل الأمان؟!
الطفل الصغير أيمن في الثالثة من عمره, رقيق ومطيع, ولكنه منذ أكثر من شهر يخاف خوفا شديدا من الذئب.. يخشي من ذئب سوف ينشب أظافر فيه ويلتهمه.. وزادت مخاوفه الوهمية إلي الحد الذي يخشي فيه أن يظل في مكان بمفرده.. في كل حجرة في المنزل يريد أن يبقي معه أحد.. لا يقوي علي أن يدخل حجرة مظلمة يتطلع إلي بابها بخوف حقيقي ويصرخ بأنه خائف, وزادت مخاوفه فأصبح يستيقظ من نومه أثناء الليل فزعا من شبح الذئب.. ويقضي فترة طويلة يسيطر عليه الخوف, وينتهي الموقف إلي أن تظل والدته ساهرة بجواره, تربت علي جبينه, إلي أن يزول عنه الخوف وينام, أو تأخذه لينام معها في فراشها.
واضطرت أمه أن تذهب به إلي طبيب قام بوصف مجموعة من الأدوية المهدئة استطاع معها أيمن أن ينام نوما أكثر هدوءا, ولكن مخاوفه الخيالية لم تفارقه لحظة طوال فترات صحوه.
وازداد قلق الوالدين علي طفلهما.. حاولا بكل الطرق أن يطمئناه, وأن يزيلا مخاوفه.. قدمت له والدته صورة لذئب فقال إنها صورة كلب, ولم يستطع أن يشرح لماذا يخاف من الذئب, ولماذا يتوهم بأن الذئب سيقوم بالتهامه هو دون بقية الأطفال المحيطين به وكيف يصل الذئب إليه وهو يعيش في مدينة بعيدة عن الغابات أو الأماكن التي يمكن أن يعيش فيها الذئاب؟
كل هذه المناقشات مع أيمن, مناقشات منطقية, لم يستطع عقله الصغير أن يستوعبها أو يقتنع بها أو يتجاوب معها, وظلت مخاوفه غير الواقعية أو المقبولة من الكبار تسيطر عليه وتفسد حياته, وتدفعه إلي البكاء معظم النهار والليل.
وأمام تفاقم حالته, اضطر والداه أن يستشيرا طبيبا نفسيا.. الأم تريد أن تعرف ما يدور في عقله الصغير, وما الذي يمكنها أن تفعله لتقضي علي مخاوف طفلها العزيز.. إنه لا يعرف حتي شكل الذئب, أو صفاته, فكيف يخاف منه.. لابد أن ما يخاف منه هو شيء آخر تماما.. فما هو هذا الشيء الذي أثار مخاوفه وفزعه؟.. ومتي بالضبط حدث ذلك؟.. وما الذي ساعد علي تفاقم الحالة إلي هذه الدرجة؟
وركز الطبيب النفسي علي ثلاثة عناصر منفصلة:
* الأول: ما هي حقيقة مخاوف الطفل؟.. ما هي مظاهرها!.. وما الذي يظن الطفل أنه ممكن الحدوث!
* ثانيا: أسباب هذه المخاوف.. بمعني ما الذي فعله الطفل ويظن أنه يستحق عليه عقابا من نوع ما؟
* ثالثا: ما الذي يفعله الطفل دفاعا عن نفسه أمام هذه المخاوف؟
* إن أول ما يوصي به الطبيب النفسي عدم زجر الطفل أو اتهامه بالجبن, أو عقابه علي هذه المخاوف, أو إجباره علي أن ينام بمفرده في الحجرة, أو أن يدخل حجرة مظلمة, وعدم السخرية والاستهزاء بسبب هذه المخاوف التي تبدو مضحكة في نظر الكبار ولا معني لها.. إننا يجب أن نحترم مشاعر الطفل وأحاسيسه ومخاوفه مهما كانت مبالغة ولا معني لها, كما يجب ألا نسخر مطلقا من الأطفال أو نعاقبهم أو نزجرهم.. إن هذا السلوك من الكبار يدفع الطفل إلي محاولة إخفاء مخاوفه حتي لا تقابل بالسخرية, أو العقاب والتأنيب, وتتفاقم هذه المشاعر داخل نفس الطفل لتؤثر علي حالته النفسية وعلي شخصيته تأثيرا سلبيا يصاحبه حتي يكبر ويصبح رجلا.. إنه بالطبع عندما يصبح رجلا سوف يناقش بالمنطق هذه المخاوف, وقد يمكنه أن يتغلب عليها أحيانا, ولكنه لن يستطيع أن يتخلص منها تماما, وسوف تؤثر علي سلوكه ومستقبله وحياته.
* ويقول علم النفس إن الطفل يولد وهو يعرف معني الخوف, وأن هذه المشاعر يكتسبها مع الأيام, ولابد أن يكون خلفها أسباب دفينة يحاول الطفل أن يخفيها أو لا يعرف كيف يفصح عنها, أو لا يدركها بالمرة.. إن الطفل الذي يضرب أخته الصغيرة أو يؤذي جاره أو يسرق بعض الحلوي أو يكذب علي والديه قد يصور له خياله الصغير أنه لابد أن ينال عقابا بشكل ما عن هذا السلوك الذي تعلم من والديه أنه سلوك خاطئ.. وقد تنشأ لديه مخاوف من العقاب يحولها خياله إلي شيء خرافي أو أسطوري, فينشأ لديه خوف لا منطقي من الذئب أو الغول أو رجل البوليس أو الرجل العجوز أو أي شيء آخر ليس له صورة محددة.
وقد يتعلق الطفل بوالديه, ويكره أن يتركاه ويذهبا إلي عملهما ويبكي, ولكن هذا السلوك لا يرضي والديه ويعاقبانها عليه, فيضطر الطفل إلي أن يخفي رغبته في بقاء والديه معه ويتحول غضبه وآلامه إلي مخاوف وهمية يخلقها خياله ويركز عليها دون أن يدري فيكثر بكاؤه, وشكواه والتصاقه بوالديه خوفا من شيء مجهول لا يستطيع أن يحدده بالضبط.
* المهم أن نبحث بتعمق عن أسباب الخوف لدي الطفل, وما لم نصل إلي الأسباب الأساسية الحقيقية, لن نعرف كيف نخلص الطفل من هذه المخاوف.. إن المخاوف تنشأ مع الطفل حينما يريد أن يفعل شيئا أو يشعر بشيء يعرف أن والديه لا يقرانه عليه فيحول مشاعره إلي شيء يخلقه هو, ثم يقع تحت سيطرة ووهم الخوف.. ومن الضروري أن نفهم نفسية الطفل والأسباب الدفينة وراء ذلك لنخلصه تماما من مخاوفه التي تفسد عليه طفولته وتجعله يسهر الليل باكيا.