نوع آخر من الاطمئنان, خاص بالعقيدة والإيمان..
إنه اطمئنان الشخص إلي سلامة عقيدته, وعدم اضطرابه أمام الشكوك, وأمام الأفكار المنحرفة التي يثيرها الهراطقة.
في مثل هذا الاطمئنان كان القديس أثناسيوس الرسولي الذي وقف أمام كل الشكوك التي أثارها أريوس ضد لاهوت المسيح. وفي اطمئنان عجيب رد عليها جميعا..
ليس كذلك الذي يهتز أمام كل فكرة من أصحاب الشكوك.
الإنسان المطمئن يكون قلبه شديدا راسخا لا يتزعزع…
كالصخرة الثابتة التي لا تستطيع الرياح أن تحركها, وكالسندبانة الراسخة التي لا يمكن للريح أن تهزها. وكالجنادل التي لا يمكن للمياه والأمواج أن تجرفها في طريقها.
ومن أنواع الاطمئنان أيضا الاطمئنان أمام قوة الأعداء..
أحاط الأعداء بالمدينة فاهتز جيحزي وخاف. أما أليشع النبي فكان مطمئنا. وقال لتلميذه: إن الذين معنا أكثر من الذين علينا. كان اطمئنانه مبنيا علي رؤي مقدسة, ومبنيا علي ثقته بالله ومعونته في الضيقة.
يونان النبي كان مطمئنا حتي وهو في الحوت. كان واثقا أنه سيعود ويري هيكل الله.
ما أجمل قول داود النبي عن اطمئنانه: بالسلامة اضطجع أنا أيضا وأنام. أنت وحدك قد اسكنتني علي الرجاء…
يعوزنا يا إخوتي أن نشعر باستمرار أننا نتعامل مع الله, وليس مع الناس, ولا مع الظروف..
وما دمنا نتعامل مع الله, نطمئن, لأن الله صانع الخيرات. وكل ما عمله رأي أنه حسن جدا.
إنما يفقد اطمئنانه, الإنسان الذي يشعر أن الظروف الخارجية تتحكم فيه, وأن الناس الأشرار يمكن أن يؤثروا علي مصير حياته! أما أنت فلا تكن كذلك. أعرف أنك في يمين الله, وأن شعرة من رأسك لا تسقط بدون إذنه.. لذلك فأنت مطمئن..
إن كنت ماشيا مع المسيح فوق المياه. فلا تنظر إلي الماء, وإنما إلي المسيح, فتطمئن..
من الأسباب التي تساعدك علي الاطمئنان, تذكرك لوعود الله..
أذكر قول الله: ها أنا معكم كل الأيام وإلي انقضاء الدهر.
وقوله: أنا هو, لا تخافوا.. وقوله لا تخف أنا معك. وقوله: إن نسيت الأم رضيعها, أنا لا أنساكم.. إن ذكرت هذا, لابد أنك ستطمئن..
إن الشخص المطمئن, يستطيع أن يشيع الاطمئنان في الآخرين.
فلا يقتصر اطمئنانه عليه, إنما يمتد إلي غيره. وبنفس الوضع, الشخص المضطرب أو الخائف, يمكن أن تنتقل العدوي منه إلي غيره, فيمتد اضطرابه وخوفه إلي الآخرين.
الإنسان المطمئن يعيش سعيدا في حياته, ناميا في روحياته..
ذلك لأنه لا يوجد خوف ولا اضطراب يعطله. والخوف بلا شك يربك الإنسان, ويعرقل تفكيره. ولذلك ما أصعب قول الكتاب في سفر الرؤيا وأما الخائفون وغير المؤمنين والرجسون والقاتلون والزناة والسحرة وعبدة الأوثان وجميع الكذبة, فنصيبهم في البحيرة المتقدة بنار وكبريت (رؤ 21:8).
انظروا كيف وضع الخائفين قبل الخطاة وعبدة الأوثان ..
تعيش مطمئنا إن أدركت أن حكمة الله فوق فهمك..
يكفي أن تضع حياتك في يديه, وتنساها هناك..
وتطمئن إلي أن الله يهتم بكل أكثر من اهتمامك بنفسك. وأنه يريد لك الخير ويقدر علي ذلك. كل الذين عاشوا معه, سعدوا في حياتهم, فاطمئن.
علي أن اطمئنانك ينبغي أن يكون اطمئنانا دائما, وليس اطمئنانا في أوقات, وفي مناسبات..
لا تدع إيمانك يضعف في وقت ما, فتفقد اطمئنانك, كما حدث لبطرس, لما فقد اطمئنانه, وهو فوق الماء فوقع, بينما كان المسيح معه؟
لا تدع عوامل التخويف والتشكيك تنتصر عليك وتفقدك اطمئنانك.
كن مثل نحميا, الذي أراد أن يبني سور أورشليم, وأحاطت به ضيقات من الخارج, وشكوك كثيرة وتثبيط همه. لكنه بقي نابتا, وظل في اطمئنانه حتي تم بناد السور..
كان واثقا أن السور لابد أن يبني, لأن إرادة الله يجب أن تتم.
القديس أنطونيوس كان مطمئنا وهو ساكن في مقبرة, والشياطين يحاربونه. قال لهم في ثقة: إن كان الله لم يعطكم سلطانا علي, فلا يستطيع أحد منكم أن يؤذيني.
كان نوح مطمئنا في الفلك, وهو وسط الوحوش.