في أكتوبر الجاري نحتفل بمرور نصف قرن علي واحدة من أعظم انتصارات الشعب المصري في العصر الحديث ولم تكن حرب أكتوبر مجرد نصر عسكري استثنائي بل كان بمثابة نقطة تحول في الشخصية المصرية أو كما يقال دائما هي عبور شعبي من لحظة الهزيمة إلي وهج الانتصار وفي تلك المناسبة يتجدد حديثنا عن قدرتنا علي توثيق تلك اللحظة عبر السينما والدراما التلفزيونية التي صارت ديوانا للحياة ولعل الفيلم الإسرائيلي جولدا الذي بدأ عرضه منذ أغسطس الماضي ساهم في تجدد النقاش حول تناول السينما المصرية للحدث العسكري الأهم والأبرز في تاريخنا الحديث ومجددا يظل التأكيد علي حقيقة واضحة وهي ضعف ما قدمته السينما بالمقارنة بعظمة الحدث وقوته.
ولن نحتاج إلي جهد كبير لإدراك أهمية وثراء استلهام السينما العالمية لكل من الحرب العالمية الأولي أو الثانية في تقديم أعمال عظيمة ومؤثرة وصانعة للوعي حول الحدث وهكذا يمتد إلي حروب أخري مثل فيتنام أو الحرب الأهلية الأمريكية وغيرها, تلك الأحداث الكبري التي يستعين بها صناع السينما لتقديم أعمال عظيمة وتوثيق لحظات مشرقة في تاريخ الأمم.
يحكي الفيلم الإسرائيلي جولدا قصة رئيسة الوزراء جولدا مائير في أيام حرب وهو من تأليف نيكولاس مارتن وإخراج جاي ناتيف, وتقوم الممثلة البريطانية هيلين ميرين بدور رئيسة الوزراء الإسرائيلية.
وتبدأ أحداث الفيلم في 5 أكتوبر 1973, حين تتلقي جولدا معلومات تفيد بأن السوريين والمصريين يستعدون للهجوم ويستمر لمدة الأسابيع الثلاثة بين اندلاع حرب أكتوبر والاقتراح الأمريكي بوقف إطلاق النار.
وجغرافيا بين الخندق الذي يجتمع فيه رئيس الأركان في إقليم كاريا, وغرفتي النوم والمستشفي الذي تعيش فيهما جولدا والمطبخ الذي تعد فيه الطعام وتلتقي بكبار رجال الدولة ومسئولي الإدارة الأمريكية.
لم يتطرق مخرج الفيلم إلي مشاهد الحرب والقتال وتعمد ألا يظهر الجنود الإسرائيليين وهم يقتلون في هجمات القوات المصرية واستعاض عن ذلك بالتجسيد الصوتي للمعركة من خلال صرخات الجنود وأصوات الرصاص, وصوت الجندي المصري الذي يعلن السيطرة علي الوضع فيما تركزت الصورة بشكل دقيق علي جولدا ودخان سجائرها وتعبيرات وجهها المتأثر بموت جنودها وحاول الفيلم خلق حالة تعاطف مع جولدا.
ورغم اعترافه بالهزيمة من الجيش المصري إلا أنه ألقي عددا من كرات اللهب في وجه المشاهد العربي من بينها محاولة تضخيم أحداث الثغرة أو تناول الدور الذي قام به أشرف مروان كما يدعي العدو الإسرائيلي.
وقد تصدر الفيلم مواقع التواصل الاجتماعي الإسرائيلية والغربية وأثار جدلا واسعا رغم ضعف إنتاجه بشكل لافت إلا أنه أعاد للأذهان ما حدث في دولة الاحتلال وحالة الرعب التي سيطرت علي قادتها وسكانها.
وساهم هذا الجدل الذي صنعه فيلم جولدا في الحديث من جديد حول ما قدمته السينما المصرية عن حرب التحرير الكبري وهل استطاع فيلم أيام السادات الذي قدمه المخرج الراحل محمد خان عام 2001 تقديم ما نريده حول الحرب وحول السادات؟
هل تمكنت أفلام أكتوبر من الوصول برسالتنا حول البطولة العسكرية والملحمة الشعبية التي دعمت الجيش لتخطي الهزيمة والقضاء علي آثارها أم أنها كانت جميعا أعمالا للاستهلاك المحلي وربما يمكنني استثناء كل من أغنية علي الممر للمخرج علي عبدالخالق والذي قدمه عام 1972 حول بطولات حرب الاستنزاف ثم فيلم حكايات الغريب للمخرجة إنعام محمد علي والذي قدمته عام 1992 وهو أيضا يتناول مرحلة ما بعد هزيمة يونيو 1967.
كما جاءت أعمال مثل فيلم العمر لحظة أو بدور أو الرصاصة لا تزال في جيبي وفيلم حائط البطولات بالإضافة لأعمال تناولت أعمال المخابرات المصرية وملفات الجاسوسية مثل إعدام ميت والصعود إلي الهاوية كما قدمنا أفلام الطريق إلي إيلات وأبناء الصمت.
وغيرها من الأعمال حتي كان أحدثهم فيلم الممر الذي قدمه المخرج شريف عرفه عام 2019 وتم رصد ميزانية كبيرة له وتوافرت له كل عوامل النجاح إلا أنه للأسف لم يتجاوز تأثيره حدود الوطن ولم نتمكن من نشر رسالته خارج حدودنا وهذا هو حال الأفلام التي تناولت حرب أكتوبر المجيدة..
فقد جاءت في معظمها أعمالا متواضعة عن حدث عظيم ومازلنا في انتظار فيلم مصري يليق بالحدث العسكري الأهم في عصرنا الحديث.