خطورتها:
إنها الحرب التي سقط بها الشيطان:
وذلك حينما قال في قلبه أصعد إلي السموات, أرفع كرسي فوق كواكب الله.. أصعد فوق مرتفعات السحاب. أصير مثل العلي (إش 14:13ـ 14).
وكذلك استطاع الشيطان أن يسقط بها الإنسان الأول:
وهكذا قال لآدم وحواء تكونان مثل الله.. (تك3:5). وبها حل غضب الله علي هيرودس, فضربه ملاك الرب فمات. لأنه بكبريائه لم يعط مجدا لله (أع 12:21 ـ 23). وذلك ما أخطر قول الكتاب.
قبل الكسر الكبرياء.. وقبل السقوط تشامخ الروح (أم 16:18).
ولعل السبب في هذا, أن المتكبر تتخلي عنه النعمة فيسقط. كما أن الله يضربه فينكس. يقول الكتاب إن الرب يدوس علي كبرياء البحر. عند ارتفاع لججه, هو يسكنها (مز 89:9). بل يقول أيضا إن لرب الجنود يومأ علي كل متعظم وعال, وعلي كل مرتفع فيوضح. وعلي كل أرز لبنان العالي المرتفع, وعلي كل بلوط باشان.. وعلي كل الجبال العالية, وعلي كل التلال المرتفعة.. فيخفض تشامخ الإنسان, وتوضع رفعة الناس, ويسمو الرب وحده في ذلك اليوم (إش 2: 12ـ17) وهكذا يقول الرسول في صراحة: إن الله يقاوم المستكبرين. أما المتواضعون فيعطيهم نعمة (يع4:6).
حقا ما أخطر عبارة الله يقاوم المستكبرين. من ذا الذي يستطيع أن يثبت, إن كان الله يقاومه؟! وهكذا قال عن أيوب لما صار بارا في عيني نفسه الله يغلبه لا الإنسان (أي 32: 1ـ 13). الشيطان أيضا شغوف بإسقاط الأقوياء. ولذلك قيل عن أنها طرحت كثيرين جرحي. وكل قتلاها أقوياء (أم 7:26).
ما هي الكبرياء؟
هي ارتفاع القلب. هي حالة إنسان يكبر في عيني نفسه. ويريد أن يرتفع في أعين الناس بل قد يقف أمام الله في كبرياء!
قد يكون بارا في عيني نفسه (أي 32:1). ويسمي هذا الشعور (خطية البر الذاتي). وقد يكون الإنسان حكيما في عيني نفسه (أم 26: 5, 12). وقد حذرنا الكتاب من هذا الأمر فقال .. علي فهمك لا تعتمد.. لا تكن حكيما في عيني نفسك (أم 3: 5, 7). وقد يظن إنسان في نفسه أنه قوي أو عظيم. وفي كل ذلك يصاب بالخيلاء وهكذا كله يسمونه المجد الباطل.
وقد تأتي الكبرياء بمعناها الذاتي, أو بالأسلوب المقارن كان يقارن الإنسان نفسه بغيره, فيري أنه أبر من هذا, وأقوي من ذاك, وأفضل من هؤلاء.. وقد فعل هذا الرجل الفريسي, وافتخر بأنه أفضل من العشار (لو 18:11).
ومن هذا المثال نخرج بنتيجة أخري وهي:
هناك كبرياء مخفاة في القلب: وكبرياء ظاهرة للناس
ومن أمثلة الكبرياء الظاهرة: الافتخار, إذ يعلنها اللسان حينما يتحدث الإنسان عن نفسه, ويمدح ذاته أمام الآخرين. وأيضا من أمثلة هذه الكبرياء الظاهرة: التعالي علي الآخرين, وأيضا الكبرياء الواضحة في مظهر الإنسان. وقد قسم الآباء الرهبان هذه الكبرياء إلي نوعين: عجرفة علمانية, وعجرفة رهبانية:
أما العجرفة العلمانية, فهي لأسباب يسر بها العلمانيون خاصة بالمظهر الخارجي: كالعظمة الواضحة في نوعية الملابس والأثاثات والمركبات, وألوان الزينة والحلي, والعظمة في طريقة الكلام وفي المشي وفي الجلوس, وفي أسلوب التخاطب, والنفخة والعنجهية, والنظرة المتعالية….إلخ.
أما العجرفة الرهبانية, فلها الطابع الرهباني الذي يظن به الراهب أنه يعلو في نظر غيره من جهة الصمت والوحدة ومظاهر الزهد والنسك, والصمت أو الحديث عن الدرجات الروحية العليا…
شيء أن يظن الإنسان أنه كبير, وشيء آخر أن يعامل الناس علي هذا الأساس, ويطلب معاملته ككبير..
فيكلم الناس من فوق, ويشعرهم أنه أكثر منهم علما وفهما, أو أعلي منهم مركزا, ويتطلب لونا معينا من الاحترام, ويري أنه دائما علي حق وغيره هو المخطئ. ويتعامل مع الناس بأسلوب لا يقبل علي نفسه أن يعاملوه به.
أسباب الكبرياء
قد يكبر الإنسان بسبب صفات ذاتية فيه, أو بسبب ظروف محيطة به:
فقد يكبر في عيني نفسه بسبب قوته و ذكائه أو علمه أو جماله أو شكله, أو بسبب مركزه ومنصبه, أو غناه أو قرابته لأشخاص كبار.. أو قد يكون سبب كبريائه ما حباه الله به من مواهب ونعم, كالمواهب الفنية في الرسم أو الموسيقي أو الشعر أو رخامة الصوت.. أو مواهب أخري عقلية أو روحية.
فقد يكبر في عيني نفسه بسبب قدرته علي الصوم, أو دموعه في الصلاة, أو بسبب مطانياته وتأملاته وسهره, أو بسبب مواهب في صنع المعجزات, أو استجابة صلواته.
والعجيب أن غالبية المتكبرين هم من النوع الذي أحسن الله إليه. فبدلا من أن تقوده الموهبة إلي الشكر, ينحرف بها إلي العظمة والكبرياء!!
والمفروض أن الإنسان كلما كثرت مواهبه يتضع. كما قال القديسون إن الشجرة الجيدة المحملة بالثمار, تنحني أغصانها إلي أسفل من ثقل ما تحمل من ثمر. أما الشجرة التي بلا ثمر, فإن الريح ترفع أغصانها إلي فوق, بسبب الخفة.. عجيب أن يكون الممتلئون متضعين, بينما الفارغون يرتفعون.
المفروض أن يتضع أصحاب المواهب, عارفين تماما أن هذه المواهب هي من الله لهم, ولا فضل لهم فيها.
فيعطون المجد لله الذي أخذ. كما قال المرتل في المزمور ليس لنا يارب, ليس لنا, لكن لاسمك القدوس أعط مجدا (مز115:1).. فيشكرون الله علي عطيته, ويشعرون بعدم الاستحقاق لها.