نقرأ في سفر ملاخي أما لنا كلنا أب واحد؟ أما إله واحد خلقنا؟ فلماذا يغدر الواحد بالآخر مدنسا عهد الله مع آبائنا؟ 2:10, مازال العالم يئن ويتألم نتيجة البغض والكراهية والأنانية والحرب والدمار, وأمام كل هذا, يجب علي كل إنسان محب لله والجميع, أن يرفع صوته وينادي بالحب والشعور بالآخر في كل مكان, يحكي عن أحد الأشخاص الذي كان في زيارة لأفريقيا, أنه قام بعرض لعبة علي أطفال إحدي القبائل البدائية, حيث وضع سلة من الفاكهة اللذيذة قرب جذع شجرة, وقال لهم: أول واحد منكم يصل للشجرة, سيحصل علي السلة بما فيها. ثم أعطاهم إشارة البدء, لكنه فوجئ بما هو غير متوقع, أن الأطفال يسيرون معا ممسكين بأيدي بعضهم البعض, حتي وصلوا الشجرة, ثم تقاسموا الفاكهة فيما بينهم, وعندما سألهم: لماذا قمتم بهذا التصرف العجيب, بالرغم من أن كل واحد منكم كان بإمكانه الحصول علي السلة كلها لنفسه فقط؟ عندئذ أجابوه قائلين Ubuntu! الذي يعني: نحن لبعض وأكملوا حديثهم قائلين: كيف يستطيع أحدنا أن يكون سعيدا, بينما الباقون تعساء؟, هذا الشعار يستخدمونه في معظم الدول الأفريقية, ويعتبر مفتاح الحب في تقاليدهم وله معان كثيرة: الإنسانية, الكياسة, الضيافة, الاستعداد التام لخدمة الآخرين والتضحية من أجلهم, ما أجمل هذا الشعار الذي يعني أن وجودي مرتبط بوجود الآخر, لأننا سنكون بشرا في حالة تضامنا معا فقط, استطاعت هذه القبيلة اكتشاف سر السعادة الحقيقية, الذي فقدها كثير من النفوس, لقد ضاعت السعادة من جميع المجتمعات المتعالية والتي تعتبر نفسها متحضرة وراقية عن باقي الشعوب, فالسعادة سر لا تعرفه إلا النفوس المتسامحة والمتواضعة وشعارها:نحن وليس أنا! فهي معادلة غريبة, لأن كل شيء ينقص إذا قمنا بتقسيمه علي اثنين, بينما السعادة تضاعف إذا تقاسمناها مع الآخرين, ونجد هذه المعادلة في المحبة التي لا تضع مقاييس الربح والخسارة مع المحبوب, لأنها الجوهرة الوحيدة التي تزداد قيمتها بالقسمة والتوزيع, يقول الزعيم الهندي غاندي: الإنسان تهدمه: السياسة دون مبادئ, الغني دون عمل, الحكمة دون سلوك, العمل دون ضمير وأخلاق, العلم دون إنسانية, الدين دون إيمان, والحب دون تضحية وبذل الذات, ما يجب الإشارة إليه في كلام غاندي, هو أنه لم يعتبر نقصان الطعام أو الصحة أو العيش الرغد, هو الذي يدمر حياة الإنسان, لكن فقدان الإنسان للمبادئ والأخلاق والأمانة والإنسانية والإيمان والمحبة والسخاء, يهدم حياته ويدمرها, ولا يكفي أن نكون أسخياء مع الآخرين, ولكن أن نلغي ونمحو كل المسافات التي تفصلنا عنهم, ومما لا شك فيه أن هذه الحدود التي تعوق محبتنا, صادرة من داخلنا ومن صنع أفكارنا, إذا من يحب لا يختار القريب ولكنه يجعل نفسه قريبا من الآخر حتي يستطيع رؤيته ومحبته, كما أن المحبة تمتلك قوة جبارة بها نستطيع أن نبذل كل شيء إلي الأفضل والأجمل والأنفع, وعندما نمحو المسافة الموجودة بيننا وبين الآخرين, سنكتشف صورتهم الحقيقية, ولن ينتابنا أي خوف أو كوابيس في التعامل مع الناس, ومن ثم ستصير الأرض فردوسا نتنعم به, وستكتسب الحياة طعما جديدا ولونا مختلفا, إن المحبة واقع عجيب يحمل بين طياته ملحا وعسلا في الوقت ذاته, لأنها تعطي طعما لحياة لا معني لها, وتقدم حلاوة لواقع مرير, والشخص الذي يحب حقا, لا يندم أبدا علي التضحية التي قام بها, مهما كانت غالية الثمن أو شاقة, لأن التضحية لا تكون أبدا سبب شقاء للذين يحبون طواعية, بل ستكون سبيلا للسعادة والسمو والرقي, وهناك أمثلة عديدة للتضحية والتي تعبر عن المحبة الحقيقية, ونجدها في عمل أي شيء من أجل الغير, فهناك من يحرم نفسه من الترفيه واللهو, ليزور المرضي وكبار السن حاملا لهم البهجة والسعادة, وهناك من يتبرع بإحدي كليتيه أو بجزء من كبده, لينقذ إنسانا محكوما عليه بالموت نتيجة المرض, وهناك الكثيرون الذين لا يترددون عن أي تضحية ليدخلوا المسرة في قلوب المعذبين أو المحرومين! وهناك أشخاص يضحون بكل ما يملكون أو جزء منه ليتسني لهم القيام بأعمال خيرية وإنسانية في صمت دون أن يعلم عنهم أحد, وكما يعلمنا السيد المسيح بقوله: السعادة في العطاء أعظم منها في الأخذ أعمال الرسل 20:35, لأن السعادة الحقيقية النابعة من المحبة تأتي مما نمنحه ونعطيه, لا بما نقتنيه. ونختم بالقول المأثور: قد يعطي الإنسان دون محبة, ولكنه لا يستطيع أن يحب دون عطاء.