يقول سفر الأمثال:جميع أيام البائس رديئة, وطيب القلب وليمة دائمة (15:5). من يبحث عن السعادة, يجدها في الرضا بالحال,لأن التطلع للغير بطمع وغيرة, يسلبنا لذة الحياة ومتعتها, وهذا هو الشقاء بعينه, كما أن السعي وراء الملذات الأرضية دون التفكير في الله ومساعدة الآخرين, لا يولينا إلا سرورا عابرا يعقبه الألم والندم والبؤس, يحكي عن معلم كان يسعي إلي الكمال, فقضي ثماني سنوات يتوسل فيها إلي الله لكي يرشده لطريق القداسة والسعادة.ثم سمع صوتا يهمس في أذنيه:اذهب إلي المنزل المجاور لك, ستجد رجلا في سن الشيخوخة سيحقق لك ما تريده. فقام للتو لينفذ الأمر, فوجد إنسانا بسيطا, فحياه قائلا:أسعد الله صباحك, فأجاب الفقير: لا أذكر أنني قضيت يوما سيئا في حياتي, فلماذا تدعو لي بالسعادة؟ إذا فليباركك الله! وماذا تعني بهذه البركة؟أنا لم أعرف في حياتي سوي البركة! أقصد بذلك أنني أتمني لك كل أنواع السعادة! لست بحاجة إلي شيء من هذا القبيل, لأنني لم أشعر بالتعاسة أبدا! إذا ليكن الله معك! أجابه الفقير:ولكن الله معي دوما ولم يفارقني!.وفي النهاية, طلب منه المعلم الذي يسعي إلي السعادة والكمال قائلا: ارجو منك يا والدي الفاضل أن تشرح لي موقفك هذا لأ’نني لم أفهم شيئا! أجابه:أنا لم أعرف أبدا في حياتي يوما واحدا رديئا, لأن كل ما أشعر به من جوع وعطش وفقر وألم اعتبره عطية من الله, كما أنني لم أنل فيما مضي من عمري سوي كل بركة, إذا أنا أؤمن بأن كل ما يحدث في الكون هو بإرادته, لذا أنا أقبله بفرح وطمأنينة مادام من يد الله خالقي وحافظي, كما أنني لم أشعر قط بالشقاء, لكوني مستسلما لإرادة الله وواثقا في حنانه, ولم أطلب شيئا لا يرضيه, لذلك أجد الله في قلبي ولا يفارقني, وفي صحبته أشعر بسلام وسعادة لا مثيل لهما. ما أجمل هذا الدرس الذي ينير بصائرنا وأذهاننا, حتي لا نفقد لحظات السعادة التي تأتينا في أي فرصة, ونفضلها عن كنوز الدنيا, لأن الواقع يبين لنا كيف أن الغالبية العظمي تبحث عن السعادة ولا تجدها, في حين أنها بين أيديهم وفي داخل نفوسهم, كما أن هناك أعدادا لا حصر لها تنفق أموالا طائلة للحصول علي السعادة, في حين أنها لا تكلف شيئا لامتلاكها. ومن ثم يجب علينا ألا نفقد الفرص التي أمامنا ونشعر فيها بالسعادة والطمأنينة والسلام, ومما لا شك فيه أننا سنجدها ونحصل عليها, عندما نزرعها في قلوب الآخرين. كما يعلمنا السيد المسيح قائلا:السعادة في العطاء أعظم منها في الأخذ(أعمال الرسل 20:35). لقد خلق الله الإنسان ليحيا في السعادة فمنذ أن خلقه وضعه في جنة عدن, ثم وعده بفردوس السماء إن أطاع أوامره وخضع لأحكامه ووصاياه, ولكن الإنسان حاد وضل عن الطريق المؤدي إلي السعادة, حتي أنه جلب لنفسه الشقاء والحزن, مما لاشك فيه أن سعادة الإنسان الدائمة في الله وحده, فإذا فتش عنها بعيدا عنه, فيكون كمن يحاول أن يمسك ظله, ولا يستطيع أبدا, لأن قلب الإنسان أكبر من أن يملأه العالم, فالله خلقه ليملأه بذاته, ولا شيء سواه من المخلوقات. ومن أفضل الطرق وأقصرها للحصول علي السعادة, هي التي فيها يلتهب قلب الإنسان بحب الله والناس جميعا, إذا, كل واحد منا هو المسئول الأول عن سعادته, لذا يجب عليه أن يعمل بكل ما في وسعه, للحصول علي أكبر قدر منها, ومن الممكن أن يجدها في أبسط الأمور والأشياء التي تحيط به, والظروف التي يمر بها, ومن ثم يستطيع أن يتخلص من الأشياء التي تعوقه عن الوصول للسعادة والتي تجلب له التعاسة والحزن والشقاء, وإذا لم يقدر علي تحقيق هذا, يجب عليه قبول الأمر, وإذا كان قلب الإنسان نقيا وصافيا, محبا للخير والعطاء,لأنه مخلوق علي صورة الله ومثاله, عندئذ لا يجد سعادته إلا في الحق والخير والجمال, لأن الله وحدة هو ينبوع كل هذا.كما أننا نحصل علي السعادة في المحيط العائلي الذي نعيش فيه, عندما يقوم كل شخص بواجبه تجاه الآخرين, وأن يعطي بلا مقابل, ومن هنا نستطيع أن نشعها في المجتمع الذي نعمل فيه. ونختم بكلمات القديسة تريزا:لا نجد الفرح في الأشياء, ولكن نستطيع أن نحصل عليه داخل النفس, سواء في سجن مظلم أو في قصر.