يقول بولس الرسول:كونوا في الرجاء فرحين وفي الشدة صابرين وعلي الصلاة مواظبين(رومية2:12) كم من الأشخاص الذين يعتبرون الصلاة فرضا عليهم, ويسعدون بعد الانتهاء منها, لأنهم قاموا بالواجب المطلوب؟وكم هؤلاء الذين يعتبرون الصلاة هي بمثابة لحظة خلوة داخلية وحوار بين الإنسان وخالقه؟ هل نعطي الصلاة حقها في حياتنا اليومية, أم نهملها نتيجة أعمالنا ومشاغلنا التي لا تنتهي؟ للأسف نضعها في آخر القائمة بعد الانتهاء من كل شيء في برنامجنا اليومي. يحكي عن طفل أراد أن يرفع حجرا ثقيلا جدا كان ملقي في الشارع, ولكن دون جدوي وكان والده يمر في ذلك الطريق, فوقف يراقبه من بعيد ويتابع معاناته, ثم سأله:يا بني! هل استخدمت كل إمكانياتك في رفع الحجر؟ أجاب الابن وكان في غاية التعب والإرهاق:بالطبع يا أبي! فقال له والده:لا يابني! لم تفعل ذلك, لأنك لم تطلب مني يد المعونة! هذه قصة كل شخص منا, لأننا لا نستعين بالله القادر علي كل شيء في صلاتنا ليسهل لنا أمورنا ويعيننا في حمل الأثقال التي تفوق طاقتنا وإمكانياتنا البشرية,لأننا عندما نطلب من الله أن يساعدنا, لن يتواني أبدا لأنه يعلم تماما ما هي قدراتنا في مواجهة صعوبات الحياة. مما لاشك فيه أن الله لا يخيب آمالنا ولا يتأخر لحظة واحدة عن كل ما يعود علينا بالخير, فاللجوء إلي الله لا يكلفنا شيئا, ولكنه يعود علينا بالنفع والخير الكثير, لأن الله يغمرنا دوما ببركاته وعطاياه التي لا تنتهي أبدا وعندما نضع ثقتنا في معونته ونتوسل إليه ليساعدنا, سنشعر في الحال بالطمأنينة مهما كانت الظروف التي تحيط بنا,وهذا ما وعدنا به الله قائلا:من يدعوني, استجيب له, أنا معه في الضيق أخلصه وأمنحه مجدا(مزمور90:15) إن سر عظمة الإنسان ينبع من اتحاده الوثيق بالله بالصلاة المجردة من المصالح الشخصية, والتي يرفعها إليه في كل حين لأنها تقربه من الله خالقه. فالإنسان الذي يدعو الله في صلاته يتطهر من خطاياه وذنوبه, ويشعر بسعادة تملأ حياته وتغمره طوال النهار أثناء وجوده في الأسرة والعمل وفي كل مكان, ويتخطي العقبات التي تواجهه, ويسمو في معاملته مع الآخرين, وتزداد محبته واحترامه لهم كذلك يتبدد الخوف من حياته لأنه لا يتأثر من الصعوبات والمتاعب اليومية, ثم يصل إلي نهاية يومه لينام في طمأنينة وراحة البال, وعندما يستيقظ في اليوم التالي, سيتحلي بالأمل والرجاء, هل نتخيل بعد كل هذه النعم والامتيازات وغيرها التي تحملها الصلاة لنا, نتكاسل أو نتهاون في القيام بها؟ لذا يجب أن نميز بين هؤلاء الذين يتلون الصلاة بأفواهم فقط, والذين يصلون حقا وعندئذ سنكتشف هوة عميقة بين النموذجين. فالذين يندرجون تحت النوع الأول, نجدهم سعداء عند الانتهاء من صلاتهم التي يرددونها بأفواههم فقط, ولكن قلوبهم بعيدة عن الله بينما النوع الثاني نلمسه في الذين يصلون حقا ويشعرون بالاحتياج إلي خلق جو روحاني مع الله ويفتحون قلبهم له ليشكروه علي كل نعمه وعطاياه. إن الذين يتلون الصلاة بأفواههم فقط, يقيمونها بالكم, ولكن الذين يصلون بقلوبهم يعتبرونها حوارا مع الله, ويهتمون بالكيف لذلك فالإنسان عندما يهتم بتلاوة الصلاة كسرد الكلمات فقط, يغلب عليه طابع السرعة حتي ينتهي من هذا الواجب, ولكن الشخص الذي يصلي حقا, لاينشغل بالساعة أو الوقت لأن هدفه الرئيسي هو التقرب من الله.ومع كل هذا نجد الغالبية العظمي تلجأ للصلاة وقت الحاجة والضيق فإذا تلاشت الأسباب ماتت الصلاة داخلهم وفي حياتهم هؤلاء لايدركون أن الصلاة هي بمثابة لقاء ودي بين الله وأبنائه هل نستطيع أن نتخيل ابنا لايتحدث مع أبيه الذي يضحي من أجله ليوفر له كل ما يحتاج إليه؟ أو نقبل الابن الذي لا يتكلم مع والده إلا عندما يكون بحاجة إليه فقط؟ من البديهي أن الجميع سيرفضون هذا التصرف المشين لأنه مبني علي مصالح شخصية فقط. لذلك يجب أن تصبح صلاتنا وعلاقتنا مع الله مبنية علي المجانية, لأن الله أب حنون ومستعد دائما ليمنحنا هباته وعطاياه في كل حين كما أنه يعلم بما نحتاج إليه قبل أن نسأله أو نطلب منه في صلاتنا, ولن يرفض لنا طلبا مادام لخيرنا العظيم وسعادتنا الدائمة ونختم بكلمات الفيلسوف أفلاطون:إن أفضل ما نعمله لجعل حياتنا مشرقة وعظيمةو هي أن نحياها تحت أنظار الله.