كان السيد المسيح يعاتب الكتبة والفريسيين هكذا:أحسن إشعياء في نبوته عنكم إذ قال :هذا الشعب يكرمني بشفتيه وأما قلبه فبعيد مني (متي15:8) نعيش في عصر عجيب, فيه يتم تزييف كل شيء, حتي أن كثيرا من الناس قاموا بتزييف وتشويه صورة الله الحقيقية لتناسب مصالحهم الشخصية وأهوائهم الذاتية, وآخرون لايلجأون إلي الله سوي عند الحاجة فقط. يحكي عن أحد المعلمين الذي كان يغير مفاهيم الناس عن الله تعالي قائلا: إذا جاء الله لينقذكم, ولم يجدكم في محنة, فسيقول لكم, لقد آن الآوان لتبحثوا عن الإله الحقيقي. وعندما طلب منه إيضاح أكثر لهذا الكلام, ساق القصة التالية :ترك رجل دراجته الجديدة بدون حراسة في السوق, بينما ذهب هو للتسوق, ولم يتذكرها إلا في اليوم التالي, فهب مسرعا إلي السوق متوقعا أن تكون قد سرقت, إلا أنه وجدها في مكانها, حينئذ, استولي عليه فرح عظيم, فأسرع إلي معبد قريب يشكر الله. وبعدما أنهي صلاته وخرج, كانت الدراجة قد سرقت. كم من الناس لا يلجأون إلي الله سوي في وقت الشدة؟ فبالرغم من أن الله هو أب حنون يسهر علي جميع البشر لأنهم أبناؤه, وهو المعلم الصالح, إلا أنهم يتعاملون معه كأنه أمين الصندوق الذي يدفع لهم المال مقابل ما يقومون به من أعمال خيرية وصالحة, كما أن البعض منهم يعتبرونه الحارس لممتلكاتهم الشخصية, يستطيعون تركها في أي مكان ويطلبون منه أن يسهر عليها, حتي لا يقترب منها أي سارق.وهناك الأشخاص الذين يعتبرون الله ساحرا يستطيعون اللجوء إليه, حتي ينزل بتعاويذ العقاب واللعنة علي كل من يخالفهم الرأي والدين والمعتقد والجنس. ونلاحظ الكثير من الناس الذين يرونه موظفا في مصلحة الأراضي فيطلبون منه مكانا في السماء مقابل بعض الطقوس والصلوات والعبادات الشكلية. هنا نحن بحاجة إلي وقفة مع الذات في علاقتنا بالله الذي لايتواني عن الوقوف بجانبنا في كل لحظة, لذلك يجب علينا أن نثق في معونته, ولكن أن نقوم بدورنا وواجبنا, لقد منحنا الله الحكمة والعقل بأن نثق فيه, وفي الوقت نفسه, نعمل ما هو مطلوب منا تجاه أنفسنا وأسرنا ومجتمعنا. نحن جميعا نعلم بأن الله خلقنا لا ليهملنا أو يتركنا لمصير غامض, فإذا حدث لنا شر أو أصابتنا كارثة, فالله أب رحيم لايتركنا, بشرط أن يقوم كل واحد منا بدوره, والسعي وراء ما هو أفضل لحياته, ومع كل هذا يستطيع كل واحد منا أن يلجأ إلي رحمة الله وحنانه, طالبا منه أن ينير عقله وقلبه وبصيرته ليتخذ القرار الصائب لكل موقف يمر به. فكل صلاة تصدر عن عاطفة حارة ونبيلة دون أي مصالح شخصة تعطي ثمارا أفضل, لذلك نحن بحاجة إلي تقوي في صلاتنا وليس إلي ثرثرة فارغة. هناك أناس يصلون بشفاههم فقط ويغلقون قلوبهم, وآخرون يغلقون أفواههم, ولكنهم يصلون من قلوبهم بعمق شديد! مما لا شك فيه أن الإنسان الذي يرفع صلاته إلي الله تعالي دون أي مصلحة شخصية سيشعر بنتيجة الصلاة في حياته اليومية وتحقيق كل ما يتمناه من خير, لأن الله عالم بما نحتاج إليه, ولا يتأخر عنا أبدا. وكان دود النبي يتهلل قائلا:يارب بكل قلبي أحمدك وأحدث بجميع عجائبك. أفرح وأبتهج بك. أعزف أيها العلي لاسمك(مزمور9:2-3). فالله مصدر كل خير وحق وجمال. لذلك يجد الإنسان راحته ورضاه وسعادته في الله وحده دون سواه, فماذا ينفع الإنسان إن قام بالبحث عن الله في الأماكن المقدسة بينما فقده في قلبه؟ وماذا يجني الإنسان عندما يطلب الله في وقت الشدة والحاجة فقط؟ إن الغالبية العظمي تفكر في الله وتتذكره أثناء الصلاة فقط, بينما تهمله طوال اليوم. فالله حاضر في حياتنا اليومية كل حين, لكن العيب فينا لأننا نتعامل معه كديان صارم, ينتظر اللحظة التي يرتكب فيها أي خطأ حتي يعاقبنا في الحال علي ما صدر منا, لذلك يجب أن يقف كل شخص منا مع ذاته متسائلا: ما هدف بحثي عن الله؟ هل لمجرد مصالح شخصية, أم نتيجة محبتي الحقيقية له؟ ماذا ينفع الإنسان الذي يتخلي عن الله, ولا يفكر فيه سوي قليل؟ فالله الوحيد الذي يشبع قلوبنا, لأنه خالقها ويعلم بحاجتها. ونختم بكلمات القديس أوغسطينوس:خلقت قلبنا لك يا الله, ولن يذوق طعم السعادة حتي يجدك ويستقر فيك.