أيهما أفضل.. الصمت.. أم الكلام!.. متي يكون كل منهما نافعا.. ومتي يكون ضارا؟.. هذا ما نود أن نتحدث عنه اليوم:
خطورة الكلام
الكلام ليس أمرا هينا بل هو خطير, لأن الكتاب يقول:
بكلامك تتبرر, وبكلامك تدان (متي 12:37).
وقد قال الرب للعبد البطال من فمك أدينك أيها العبد الشرير (لو 19:22). وداود النبي قال للغلام الذي بشره بموت شاول الملك فمك شهد عليك (2صم 1:16). ولما تكلم بطرس مع خدم رئيس الكهنة قالوا له لغتك تظهرك (متي 26:73).
إذن كلام الإنسان ليس هو مجرد ألفاظ. إنه تعبير عن شخصيته وعن قلبه, لأنه ـ كما يقول الكتاب ـ من فيض القلب يتكلم اللسان.
الإنسان الصالح من كنز قلبه الصالح يخرج الصالحات والإنسان الشرير من كنز قلبه الشرير يخرج الشرور (متي 12:35,34). خطية الكلام إذن ليست هي مجرد خطية لسان. إنما الذي ينطق بكلمة شريرة, إنما يبرهن عمليا علي أن يوجد في قلبه كنز من الشرور. لأنه لا تقدر شجرة جيدة أن تصنع أثمارا ردية, ولا شجرة ردية أن تصنع أثمارا جيدة (متي 7:18). ويعقوب الرسول يقول ألعل ينبوعا ينبع من نفس عين واحدة العذب والمر؟! (يع 3:11).
من ثمارهم تعرفونهم (متي 7:30).. من كلامهم تعرفون شخصيتهم وحالة قلوبهم..
عجيب أنه قد يثور شخص ويغضب ويصيح بكلام غير لائق.. ثم يقف أحدهم ليقول عنه: ومع كل هذا, فإن قلبه طيب,, قلبه أبيض!! كلا, أن الشخص الأبيض القلب تكون ألفاظه بيضاء. والإنسان القاسي القلب تكون ألفاظه قاسية مثل قلبه. كل إناء بما فيه ينضح..
ما دمنا إذن بكلامنا نتبرر وبكلامنا ندان, أي بكلامنا نخلص أو نهلك, إذن يجب علينا أن نكون مدققين جدا في كلامنا. والكتاب يقول:
كل كلمة بطالة يتكلم بها الناس, سوف يعطون عنها حسابا في يوم الدين (متي 12: 36).
والكلمة البطالة ليست هي فقط الكلمة الشريرة, وإنما أيضا الكلمة التي بلا ثمر, بلا منفعة.. فكم بالأولي إن كانت كلمة خاطئة. وما أكثر أخطاء اللسان.
والكتاب يعتبر اللسان نجاسة..
وقد قال السيد المسيح ما يخرج من الفم, فمن القلب يصدر. وذاك ينجس الإنسان (متي 15: 18). وقال معلمنا يعقوب الرسول هكذا جعل في أعضائنا اللسان, الذي يدنس الجسم كله, ويضرم دائرة الكون ويضرم من جهنم (يع 3:6).. لهذا كل فضل آبائنا الصمت.
فوائد الصمت
1ـ الصمت طريقة وقائية من أخطاء اللسان:
ولأن غالبية الناس لا يعرفون أن يتكلموا بطريقة مثالية, لذلك فهم يتخذون من الصمت وسيلة وقائية يتفادون بها أخطاء اللسان. قال القديس أرسانيوس:
كثيرا ما تكلمت فندمت. وأما عن سكوتي فما ندمت قط.
إن الكلام ليس خطيئة في ذاته. وإنما الخطأ هو أن الإنسان قد لا يحسن الكلام باستمرار. وقد لا يستطيع أن يضبط لسانه في كل وقت. وفي ذلك قال معلمنا يعقوب الرسول كل طبع للوحوش والطيور والزحافات والبحريات تذلل. وقد نذلل للطبع البشري. أما اللسان فلا يستطيع أحد أن يذلله. هو شر لا يضبط مملوء سما مميتا (يع 3:8,7). وقال أيضا.
إن كان أحد لا يعثر في الكلام: فذلك رجل كامل قادر أن يلجم كل الجسد أيضا (يع 3:2).
لهذا نري تداريب الصمت كثيرة جدا في سير الآباء, وفي بستان الرهبان. ونري داود النبي العظيم يقول في مزاميره ضع يارب حافظا لفمي, وبابا حصينا لشفتي.
وليست فائدة الصمت قاصرة علي تفادي خطايا اللسان, إنما:
2ـ الصمت أيضا يعطي الإنسان فرصة للتفكير قبل أن يتكلم:
وفي هذا يقول الكتاب ليكن كل إنسان مسرعا إلي الاستماع مبطئا في التكلم, مبطئا في الغضب (يع 1:19).
فالذي يسرع بالكلام, دون أن يفكر فيما سوف يقوله, يكون أكثر عرضة للخطأ, لأنه لم يعط نفسه فرصة, لكي يزن الكلام أولا, ويتخير الألفاظ المناسبة والأسلوب اللائق المقبول, ويعمل حساب كل ما يمكن أن يحدثه كلامه من أثر ومن ردود فعل..
لذلك فالصمت يعطي مجالا للتروي وللتفكير والاتزان.
وهكذا لا يتكلم الإنسان إلا إذا تأكد أولا أن كلماته ستكون مفيدة, وبلا خطأ, وإنها من الله, وأن الدافع إليها سليم.
ما أكثر ما نقول كلمة, ثم نندم عليها بعد فوات الفرصة, بعد أن تكون الكلمة قد وصلت إلي الآذان وإلي الأذهان وأحدثت تأثيرها في المشاعر والقلوب, وصارت محسوبة علينا, وليس بإمكاننا أن نسترجعها إطلاقا بعد أن لفظناها, وكان الأفضل أن نتباطأ ونفكر, ونراجع أنفسنا أولا قبل أن نتكلم.. فائدة أخري للصمت وهي.
3ـ نصمت حتي نستوعب أولا ما يقوله محدثنا
فكثيرا ما يرد شخص علي آخر, قبل أن يتأكد أولا مما يقصده ذلك الآخر. وفي غمرة الإسراع ردا علي أنه لم يفهم جيدا رأي محدثه. وهكذا يوقع نفسه في حرج.
4ـ الصمت أيضا يعطي الإنسان فرصة للصلاة
يطلب فيها من الله أن يعطيه الكلمة الصالحة التي منه, وليست من تفكير بشري, أو أن يمنحه نعمة الاستمرار في السكوت إن كان الصمت أفضل.
أو قد يكون موضوع الحديث موضوعا لا يعنيه, ولا يليق به الاشتراك فيه, أو هو موضوع خارج نطاق معرفته أو تخصصه, أو الكلام فيه خطيئة, أو يعرضه لنتائج سيئة. ومن الأفضل ألا يتحدث فيه جملة, ويتفرغ للصلاة والحديث مع الله, أو يشغل فكره بشيء نافع.