نقرأ في سفر يشوع بن سيراخ:إذا اتخذت صديقا, فاتخذه بعد الامتحان ولا تثق به سريعا(6:7) مما لاشك فيه أن الصداقة الحقيقية هي أجمل شيء في الوجود, وتدوم مدي الحياة. فهي تخفف آلام الكثيرين وتضاعف سعادتهم. قال الظل للإنسان:أنا صديقك الوفي الذي يلازمك نهارا وليلا, أسرع إليك وأتقدم أمامك لأفسح لك الطريق, وعند الظهيرة أجلس عند قدميك, وحين تغرب الشمس أتبعك خطوة بخطوة إلي حيث تمضي فسأله الإنسان:أين أنت يا صديقي الوفي حين لايكون هناك شمس ولا قمر؟ فصمت الظل للتو, فاستطرد الإنسان قائلا إن الصديق الوفي هو الذي يظهر حينما تظلم الدنيا ويسرع ليؤنس صديقه ويقف بجانبه حتي ينبثق النهار فيودعه ويختفي. ما أجمل أن نجد صديقا يحبنا لشخصنا, لا لمالنا أو ممتلكاتنا, ولا لمصلحة ما. صديق بجانبنا في كل حين, في لحظات السعادة وأوقات التعاسة, في الرخاء والضيق, ويفرح لنجاحنا في الحياة. من منا لم يندم لفقدانه صديقا محبا ومخلصا, أو لاكتشافه آخر خائنا وناكرا للجميل والمعروف؟ ومن ذا الذي لم يندم لأنه فقد صديقا لم يقبل منه النصيحة؟ نحن جميعا اختبرنا معني الصداقة سواء الحقيقية أو المزيفة, كما أننا لم نفهم أو نميز بين هذه وتلك, لأن الصديق المزيف قادر علي خداع الآخرين بشتي الطرق, ومن الصعب اكتشاف ذلك, إلا بعد الوقوع في مصيدة زيفه وكذبه وخيانته ومع ذلك لا يستطيع أي شخص منا العيش بدون صداقة, مهما كان الثمن غاليا. وهناك أنواع كثيرة من الصداقة, ولكن نادرا ما نجد فيها الصداقة الحقيقية. ومن هذه الأمثلةصديق اللحظة والذي يعرف بالمصلحة الوقتية, وصديق المنفعة الذي يتردد علينا أو يتصل بنا كلما احتاج إلي شيء, وصديق المناسبات الذي يبحث عنا ليشغل وقت فراغه, وصديق الدراسة الذي يقترب منا للحصول علي معلومات دراسية, والصديق النمام والثرثار الذي ينقل الكلام من شخص لآخر بمقدار المنفعة التي يحصل عليها, وهناك أمثلة أخري لا حصر لها بينما الصديق الأمين والوفي هو الذي لا يتخلي عنا أبدا مهما كانت ظروف الحياة, ونجده في وقت الفرح والحزن, والغني والفقر, الصحة والمرض, كما أنه لا ينتظر مقابلا عن محبته الصادقة. ونحن نعلم بأن الحصول علي صديق حقيقي ليس من الأمر الهين, وكما نقرأ في سفر يشوع بن سيراخ:فهناك الصديق في يومه, والذي لا يثبت في يوم ضيقتك(5:8).فالصداقة الحقيقية هي الواحة الخضراء وسط صحراء الحياة, وهي فضيلة ضرورية جدا للحياة. ولايستطيع أي شخص العيش دون صديق, وإن ملك كنوز الدنيا. لأن الصداقة الحقيقية هي نسيج ثمين من الألفة والحميمية والتشابه والانصهار والحب والانسجام والتقدير والثقة والرقة والسلام. وبدون شك لا نستطيع أن ننكر المفاجآت التي تقسم ظهر الصداقة كما كان يشكو داود النبي مرارا عديدة معاتبا هكذا:لو أن عدوا أهانني, لاحتملته ولو أن مبغضي تطاول علي لاتقيته, بل كانت إهانتي منك يا ندي يا أليفي وموضع ودي ومن كنت وإياه أطيب العشراء نسير معا إلي بيت الله علي الصفاء(مزمور54). يالها من مرارة وحزن عندما يحدث معنا مثل هذا الموقف الذي عاشه النبي داود, وينقلب الصديق والرفيق والأليف وموضع الثقة إلي عدو حاقد وفاضح ومنتقم! حتي أن كلمات الحب تحولت لكلمات خداع وطعن غادر. إنها دراما النفاق التي جعلت الموسيقار المجري زولتان كودالي يؤلف من هذا المزمور, نشيدا وطنيا للشعب المجري. إن الصداقة الحقيقية يندر فيها الكلام ويتضاعف العمل وتختفي فيها المجاملات وتزداد التضحيات, لأنها تعتمد علي لغة الصمت التي تعتبر أصدق من الكلمات. كما أن أساس الصداقة الحقيقية يعتمد علي المجانية والقدرة علي بذل الذات في سبيل الآخر والتعزية في لحظات الشدة والفرح بنجاح الآخر. وهناك ملاحظة غريبة تحدث مع معظمنا وهي أنه من السهل أن تشارك الأصدقاء في آلامهم وأوجاعهم ومشاكلهم, لكن من الصعب أن نفرح معهم لنجاحهم وتفوقهم, وهنا نستطيع مقياس المحبة الصادقة, والتي لا غش فيها, لأن الكثيرين يغذيهم الحقد والغيرة عندما يشاهدون نجاح الآخر وتفوقه وغناه. واكتشاف صديق حق ليس بالأمر الهين, لأن أصدقاء هذا الزمان طيور جميلة, يهجرونك حينما تذبل أوراق سعادتك ونختم بكلمات الصحفي اللامع أمبروز بييرسالصداقة هي سفينة نستطيع أن تحمل شخصين عندما تبحر في مياه هادئة, ولكنها تحمل شخصا واحدا عندما تكون مياه البحر هائجة.