لعل العصر الذي نعيشه هو أكثر العصور استهلاكا للمعلومات, فلم يعد كوكبنا كما قال العالم مارشال ماكلوهان قرية كونية صغيرة بفضل وسائل الإعلام, ولكنه أصبح حجرات متلاصقة بجوار بعضها البعض وهذه الحجرات مفتوحة بلا أسقف بفضل التطور المذهل في وسائل الإعلام والاندماج الإعلامي media convergence الحادث عبر الوسائط التقليدية والرقمية.
وبسبب سيولة الاتصال, تم تعريف الاتصال الجماهيري وإعادة تعريفه مرارا وتكرارا عبر التاريخ, بأن هناك مصدرا يستخدم وسائل تقنية وينقل رسائل للتواصل مع جمهور كبير, وبفضل دمج وسائل التواصل أصبح العالم كله مترابطا معا, وزاد ترابطا بسبب ما تقدمه منصات الإعلام الدولية.
كانت هناك أربعة عصور أطرت لنظريات الإعلام, اهتم العصر الأول بالمجتمع الجماهيري والثقافة الجماهيرية, وفيه توسعت الصحافة وانحازت لعامة الشعب ما دفع النخبة لاتهام وسائل الإعلام بأنها السبب في إثارة الاضطرابات السياسية, ثم في العصر الثاني مع وجود منظور علمي للاتصال الجماهيري ظهر نموذج التأثيرات المحدودة حينما نظر بول لازارسفيلد لأساليب استخدام الدعاية السياسية في ألمانيا النازية, ليشار لوسائل الإعلام علي أنها تعزز الاتجاهات الاجتماعية القائمة وتقوي الوضع الراهن بدلا من تهديده, وفي الحقبة الثالثة تحدت المنظورات الثقافية المتنافسة فكرة التأثيرات المحدودة لوسائل الإعلام, وظهرت الماركسية الجديدة كنظرية اجتماعية تؤكد أن الإعلام مكن النخب الاجتماعية المهيمنة من الحفاظ علي سلطتها.
وجاء العصر الحالي ليركز علي عمليات صناعة المعني, ووضع المحتوي في إطار frame محدد, والاهتمام بالتربية الإعلامية ومحو الأمية الإعلامية بتحسين قدرة الأشخاص علي الوصول إلي الرسائل الإعلامية وتحليلها وتقييمها ونقلها.
ووسط زخم إعلامي كبير وظهور قنوات متخصصة في صناعة الأخبار, ومع تحول الجمهور من مستهلك للأخبار إلي مستهلك ومنتج أيضا لها, ظهرت حالة من حالات التجزئة لوسائل الإعلام media fragmentation لتوجه نحو جمهور محدد فتكون أكثر تأثيرا, وأصبحت عملية احتلال مساحة كبيرة في عقل ووجدان الجمهور عملية مركبة صعبة في ظل تنافس وسائل اتصال جماهيرية ورقمية واجتماعية في وقت واحد.
في ظل كل ما سبق, والتغيرات العالمية في الإعلام نجد أنفسنا أمام تحد كبير لتحويل الأنظار نحو مدينة القاهرة لتكون عاصمة الخبر, ولعل أول هذه التحديات هو اسم القناة الإخبارية التي انطلقت منذ وقت قليل, وهو موفق بشكل كبير, فهو يخرج من إطار المحلية نحو الوطن العربي كله وبالتالي نحو العالمية, مثل وسائل إعلام كثيرة سميت بأسماء مدنها وعممت رؤيتها بمرور الوقت علي العالم كله, فهناك مثلا نيويورك تايمز والتي انطلقت من مدينة نيويورك لتحقق انتشارا واسعا داخل وخارج الولايات المتحدة كأبرز الصحف تأثيرا في العالم.
وفي فترة صغيرة وبمتابعة تغطياتها نجحت القناة في متابعة الأخبار, فلم تغفل أي حدث صغيرا كان أو كبيرا, ودليل ميلادها عملاقة هو أنها بدأت البث بـ24 ساعة بعكس قنوات مثلها بدأت بعدد ساعات أقل لمدة طويلة حتي تستطيع الصمود, وهو جهد جبار لكوادر عمل ربما لا تنام لتصل لهذا المستوي خاصة في ظل تنوع البرامج في القناة من إخبارية وحوارية وتحليلية.
وداخل بيئة إعلامية هي الأكثر استقطابا فإن أحد أهم التحديات التي تواجه القنوات الإقليمية هو توحيد الفعل الكلامي بمصطلحات مشتركة لدي كافة الشعوب العربية رغم اختلاف اللهجات وهو ما ظهر في تنوع اختيار المذيعين والمراسلين من دول مختلفة, أما فيما يتعلق بالتحديات التي تواجه القنوات التي تسعي للعالمية, فتقف الميزانية عاملا مساعدا, خاصة فيما يتعلق بإنتاج مواد إخبارية عالية التقنية والجودة مستخدمة أحدث أدوات الجرافيك, وهو ما نراه يسير بخطي احترافية في القاهرة الإخبارية.
ولمواجهة الأخبار الكاذبة والتقارير المشوهة وغير الصحيحة المصممة لخدمة مصالح جيوسياسية معينة ظهرت فيها تقارير جيدة يمكن وصفها بالمصداقية والأصالة والتنوع, والأهم أن هذه التغطيات متسمة بالسرعة والآنية وبوجه خاص في أوقات الأزمات متبوعة بتحليلات مفصلة في برامج مخصصة لتكون أحد الأذرع المهنية التي تدعو إلي التوازن والحياد والإنصاف والصدق.