في رحاب الكنيسة القبطية الأرثوذكسية, وبرعاية قداسة البابا الأنبا تواضروس الثاني أقيمت أمس السبت احتفالية مهيبة بمناسبة مرور 150 عاما علي الصحافة القبطية بحضور جمع غفير من الشخصيات الرسمية والعامة وممثلي إصدارات خمسة منتخبة عن الصحافة القبطية, هي: مجلات الرسالة والكرازة ومدارس الأحد ومارمرقس وصحيفة وطني.
تشرفت وسعدت بحضور هذه الاحتفالية ممثلا عن وطني وضمن باقة ثرية من أسرتها تمثل أكثر من جيل من العاملين في تحريرها… وأترك للتغطية الشاملة التي يتضمنها العدد المقبل إلقاء الضوء علي فعاليات الاحتفالية وما اشتملت عليه من تكريم منابر الصحافة القبطية والرموز العظيمة التي شغلت برسالتها وأصدرتها وتواكبت علي رعايتها… واسمحوا لي أن أوثق في هذا المقال جانبا من ذاكرة وطني وحاضرها ومستقبلها.
** في هذا الشهر الذي استهلته الكنيسة بتنظيم احتفالية مرور 150 عاما علي الصحافة القبطية تحتفل وطني في 21 ديسمبر بانقضاء 64 عاما من عمر رسالتها, وتخطو إلي عامها الخامس والستين… وكما عهدنا عبر السنين الماضية نستمر نذكر بكل التقدير والعرفان باعث رسالة وطني الأستاذ أنطون سيدهم الذي شغل بها وجاهد حتي حصل علي ترخيص إصدارها, وأصدر العدد الأول لها في 21 ديسمبر 1958 وتولي رعايتها بكل حب واهتمام وتفان حتي رحل عن دنيانا في 2 مايو 1995 مستريحا وواثقا أنه يترك الرسالة في عهدة أسرة وطني التي أحسن تنشئتها وإعدادها علي الانتماء لمصر الوطن وللكنيسة ولخدمة صاحبة الجلالة الصحافة.
** إن كانت وطني تتشرف بانتخابها ضمن رموز الصحافة القبطية الخمسة المشار إليها في مستهل هذا المقال, ومع كل التقدير والحب والاحترام التي تكنه وطني لكافة المنابر التي تنتمي إلي الصحافة القبطية, تظل وطني تخدم رسالتها الإعلامية من منظور وطني مصري لا يقتصر علي الإعلام المسيحي الديني, فمنذ نشأة وطني اتخذت لنفسها شعارا لرسالتها في بيت شعر من نظم أمير الشعراء أحمد شوقي يظل جزءا عزيزا من علامتها الصحفية والتجارية المسجلة وهو: وطني لو شغلت بالخلد عنه.. نازعتني إليه في الخلد نفسي فكانت وطني كما أراد لها أنطون سيدهم صحيفة مصرية وطنية تخدم رسالة الإعلام وتتضمن سائر الأبواب الإعلامية: سياسية, اقتصادية, اجتماعية, ثقافية, رياضية, فنية… بالإضافة إلي ما وصفه أنطون سيدهم بملء فراغ في الصحافة المصرية فيما يخص مجالي أخبار الكنيسة والمقال الديني المسيحي.
** لا يتسع هذا المقال لتسجيل لوحة الشرف والعرفان التي تشمل أسماء الرواد الأوائل والرعيل الأول من أسرة وطني عبر تاريخها سواء من تولوا رئاسة تحريرها أو إدارة أقسامها التحريرية أو من شغلوا برعاية أبوابها الصحفية وأفرزوا براعم نبتت ونضجت وترعرعت حتي تسلمت الرايات منهم, ولكنهم ولكنهن محفورة أسماؤهم وأسماؤهن بحروف من نور في ذاكرة وطني, ويكفي للتدليل علي ذلك حرص الصحيفة علي تسجيل أسماء كل من أسسوا أبوابها الصحفية علي ترويسات هذه الأبواب حتي يومنا هذا; كشهادة حية علي إسهاماتهم للتاريخ وللأجيال المتعاقبة من القراء.
** ستظل وطني تفخر أنها عبر مسيرتها وضعت نصب عينيها التصدي لقضايا الوطن وترسيخ النموذج المتوازن الذي يرصد نقائصه ويعمل علي تجاوزها… وفي هذا الصدد حرصت وطني علي فتح أبوابها لتضم مختلف الكفاءات من المسلمين والمسيحيين دون تفرقة, علاوة علي الترحيب بالفتاة والمرأة جنبا إلي جنب الشاب والرجل لتقفز بذلك فوق اثنتين من أقسي الحساسيات التي يعاني منهما مجتمعنا.
** أيضا ستظل وطني تفخر بأنها عندما اضطلعت بمهمة رصد وفضح الممارسات العدائية التي تعرض لها الأقباط في حياتهم وعبادتهم وكنائسهم, كان شعارها الذي لم تتنازل عنه دوما هو الذود عن حقوق المواطنة والمساواة بين المصريين, وأبدا لم تنزلق نحو الصراخ من أجل استيفاء حقوق طائفية أو اللجوء إلي تصدير معاناة الأقباط خارج حدود الوطن, وأصرت علي معالجتها داخل الأسرة المصرية مع إخوتنا المسلمين ومن خلال الاختلاط الحياتي الطبيعي معهم.
*** هذا عن الرسالة والجذور والأسس… لكن ماذا عن الوزنة التي تركها أنطون سيدهم وهل اكتفت وطني بالحفاظ عليها غير منقوصة أم تولت تنميتها واستثمارها لخدمة احتياجات متجددة؟
** لم تكتف وطني بالصحيفة المصرية المقروءة باللغة العربية, إنما تولت إصدار الملاحق الآتية, التي باتت جزءا ثابتا من إصدارها الأسبوعي: ملحق وطني الدولي باللغة العربية, ملحق وطني إنترناشيونال باللغة الإنجليزية, ملحق وطني فرانكوفون باللغة الفرنسية… هذا علاوة علي إصدار خاص لملحق وطني برايل الموجه للمكفوفين والمعد والمطبوع بتقنية الأبجدية البارزة التي تسمح للمكفوفين بمتابعة وقراءة مشتملات الصحيفة.
** إدراكا من وطني لتطورات العصر ومواكبة منها للآفاق الإعلامية الحديثة, بادرت بتأسيس الموقع الإلكتروني وطني نت منذ نحو 22 عاما, وداومت علي رعايته وتطويره رهانا منها أن الإعلام الإلكتروني هو لغة المستقبل والرافد الإعلامي لأبنائنا وأحفادنا… حتي إنه عندما يدعو الداعي لاحتجاب الصحف الورقية المطبوعة -الأمر الذي بات وشيكا علي الأبواب- ستكون فرصة استمرار الرسالة لكل من أعد نفسه لمواكبة وامتلاك الأدوات التكنولوجية لعصر جديد يشمل الإعلام الإلكتروني وكافة وسائل التواصل الحديثة.
*** وأخيرا.. ماذا عن المستقبل؟
** يسعدني أن أقدم لكم أحدث إنجازات وطني -ولا أقول آخرها- وهي التي جسدت ثمرة عظيمة لطريق طويل مضن من الجهد والعمل والمتابعة والغيرة علي صعيد تسجيل وتوثيق وتنمية مسار العائلة المقدسة علي أرض مصر… هذا الجهد الذي استغرق نحو عقدين من الزمان ليسفر عن تبني الدولة المصرية لأفق جديد من آفاق السياحة إلي مصر تحت مسمي الحج لمسار العائلة المقدسة, ثم أفرز أصغر أبناء وطني- أصغرها سنا وليس قيمة- وهو تقنية التجوال الافتراضي عبر مسار العائلة المقدسة التي تشرفت وطني بافتتاح قداسة البابا تواضروس لإطلاقها ضمن فعاليات اجتماعات المجمع المقدس المنعقد في دير الأنبا بيشوي بوادي النطرون في نوفمبر الماضي ومن بعدها ومعها احتفالا بالذكري العاشرة لجلوس قداسة البابا علي كرسي مارمرقس.
** وأخيرا -وليس آخرا- يسعدني أن أزف إليكم بشري تأسيس وإشهار مؤسسة يوسف سيدهم للتنمية التي تنتقل إليها مسئولية رعاية كافة أبواب الخير التي تولت وطني رعايتها منذ منتصف ثمانينيات القرن الماضي وهي: صندوق الخير لرعاية المرضي, وافتح قلبك لرعاية الحالات الإنسانية, وإحنا معاك لرعاية حالات متحدي الإعاقة وذلك توافقا مع قوانين الفصل بين النشاط الإعلامي وبين العمل الاجتماعي.
*** هذه شهادة عن ماضي وحاضر ومستقبل وطني… وإلي استمرار مشرق واعد بإذن الله.