سيطرة المرأة تسبب أمراض الرجال.. عنوان صغير في الصفحة الأولي في إحدي الجرائد اليومية. والخبر من أمريكا بيان أصدره الدكتور فون هكنز وهو من رجال القانون والاقتصاد بوزارة العمل الأمريكية. يقول دكتور فون إن كثيرا من الأمراض العقلية والنفسية مثل انفصام الشخصية والبرانويا وبعض الأمراض الأخري مثل السرطان والتهاب المفاصل تصيب الرجال نتيجة لسيطرة المرأة علي الأسرة. ولم يكتف دكتور فون بذلك وإنما أضاف أن كثيرا من الظواهر مثل الشذوذ الجنسي والانتحار. وإدمان الخمر إنما يرجع إلي السبب نفسه وهو سيطرة المرأة علي الأسرة.
وليس هذا التصريح هو الأول من نوعه فكثيرا ما نسمع من علماء الاجتماع وعلماء النفس والمهتمين بالعلاقات الإنسانية تصريحات مشابهة. ولا نستطيع ن نزعم أن تصريح دكتور فون هكنز سوف يكون الأخير في هذا الشأن. فطالما وجد الرجال. وطالما وجدت النساء سوف نسمع الكثير من التصريحات والآراء والأفكار التي يدور معظمها في فلك واحد. ومعني واحد, ولهدف واحد.
المرأة من صنع الرجل
المرأة من صنع الرجل حقيقة لا يمكن إنكارها أو إغفالها مهما حاول الرجل أو حاولت المرأة. فإذا استعرضنا العلاقات الإنسانية من بدء الخليقة وجدنا أن الرجل هو الذي يسود المجتمع, هو الذي يفكر, هو الذي يرسي قواعد العرف والتقاليد, هو الذي يضع القوانين, هو الذي يحدد ماهو الخطأ وما هو الصواب هو الذي يحكم, وهو الذي يسود.
واستمر هذا الحال قرونا عديدة, حتي أصبح أمرا مستساغا, الرجل يسيطر, يسود يحكم, يرأس, ينطلق, له الحق في أن يشغل كل وظيفة, له الحق في اختيار شريكة حياته, له الحق في تغييرها, له الحق في الالتقاء بأصدقائه, له الحق في السهر خارج البيت حتي الصباح دون أن يسأله أحد أين كنت, له الحق في أن يفعل ما يشاء, وقتما يشاء. أما المرأة فعليها أن تقبل.. أن تخضع.. أن ترضي بالأوضاع التي يفرضها الرجل.. يجب أن تقبل تحكمه تقبل تصرفاته, تقبل اختياره, تخضع لسيطرته وأوامره. هي لا يليق بها أن تخرج من البيت وإذا خرجت فلابد أن تكون محجبة هي لا يليق بها أن تذهب إلي المدرسة فإذا ذهبت فلا يصح أن تعمل أو تفكر في شغل وظائف مثل الرجل. وهي لا يليق بها أن يكون لها رأي في اختيار شريك حياتها, عليها أن تقبل اختيار الوالد وما يفرضه عليها. ولا يصح أن ترفع عينها في زوجها أو تناقشه إذا أخطأ, عليها أن ترضي وتوافق علي كل ما يراه أو يقوله, عليها أن تخدمه تنفذ طلباته تخضع له تماما.
واستمر ذلك الوضع قرونا طويلة, الرجل هو السيد والمرأة هي المسودة. إلي أن بدأت تتمرد علي الهوان والذل, بدأت تطالب بأن تتعلم, بأن تعمل, بأن تكون لها حقوقها السياسية, بأن يكون لها الحق في اختيار شريك حياتها.. بأن تكون حرة في اختيار الحياة التي ترضي عنها, بأن يكون لها الحق في أن تقول لا وقت الضرورة. وإلي هذا الحد قامت الدنيا لتمرد المرأة. لم يتصور الرجل أن يرتفع لها صوت, وأن تطالب بحقوق.
لقد خلق لها العالم الذي يجب أن تعيش فيه ووضع القيود التي تصور أنها كفيلة بأن تجعل له كل شيء كل الحقوق. السيد المسيطر, ولا تترك لها شيئا أو حقوقا وتضمن أن تظل دائما تحت سيطرته. وظهرت دلائل هذه القيود في الأسرة, الولد مفضل دائما عن البنت. الفرحة بمولده لا تقدر أما البنت فتستقبل كضيف ثقيل وكان من الأفضل لو لم يشرف الدار, الولد منذ طفولته يشعره كل من حوله أنه جنس أفضل وأن له كل الحرية أما البنت فتشعر أنها أقل وأن أقل تصرف يصدر منها عيب ولا يليق, أن كل تصرف محسوب عليها, وهي لا تخضع لسيطرة الوالدين فحسب وإنما تخضع أيضا لأخيها, له الحق في تأديبها والتحكم فيها.
ورغم كل القيود.. تمردت المرأة.. ثار الرجل.. حاول أن يثنيها عن تمردها بكل شكل, ولكنها صمدت, وصممت علي أن تتمسك بحقها في حياة كريمة حرة. كافحت طويلا. مرة تنجح, ومرة تتعثر, وفي كل يوم يمر تحصل علي مكاسب جديدة يضطر الرجل أن يتقبلها.
ومرت السنوات وتغيرت كثير من الأوضاع وأصبح للمرأة حقوقا سياسية واقتصادية واجتماعية. حقا مازالت هناك بعض القيود في بعض التقاليد وبعض القوانين التي وضعها الرجل للمرأة والتي مازالت تحد من حقوقها وحريتها لكن المرأة اليوم استطاعت أن تصبح شيئا آخر يختلف تماما عما كانت عليه من قرن مضي.
وقد يبدو أن الرجل قبل هذه التغيرات, ولكنها في قرارة نفسه لم يقبلها لقد سكت عنها مرغما, ومازال يأمل أن يأتي اليوم الذي تعود فيه أوضاع زمان, ولكنها كما يؤكد الواقع مجرد أماني في خيال الرجل, فلا يمكن أن تدور عجلة التطور إلي الخلف.. ولن تعود المرأة إلي قيود زمان, وتخلف الماضي.
ويحاول الرجل بكل الطرق أن يكسب جولة مع المرأة أي جولة.. ولذلك يظهر فرد أو أكثر يصدر تصريحا أو نظرية أو رأيا يؤكد فيه أن حرية المرأة وممارستها لحقوقها ضارة بالرجل وخطر عليه وربما استطاعت هذه النفحة أن تعيد المرأة إلي الخلف, ولن يكف الرجل عن مثل هذه التصريحات فهو كما خلق في الماضي دنيا المرأة يريد أن يخلق لها دنيا الحاضر وسوف يظهر بين آن وآخر أمثال دكتور فون هكنز.
وسوف تختلف الآراء والأفكار حول المرأة ولكن الذي لن يحدث أبدا أن تتأثر المرأة بهذه التصريحات أو تفرط في حق من حقوقها التي اكتسبتها بالجهد والعرق والدموع.