يخطئ من يظن أن كل تطوير يجري علي المحاور المرورية المتفرعة من طريق القاهرة- الإسكندرية الصحراوي هو من أجل تيسير مسار وحركة المصطافين من وإلي الساحل الشمالي, ويخطئ من لم يسترع انتباهه أن كل محور جديد تم شقه عبر الصحراء الغربية سواء مرورا بوادي النطرون أو وصولا للضبعة أو غيرهما هو في الأساس محور تنموي يعبر الصحراء في إطار مشروع طموح للاستزراع ليوفر شريانا حيويا لحركة النقل التي يحتاجها ذلك المشروع سواء للقوي البشرية التي تعمل وتستقر فيه أو لربطه خدميا وإنتاجيا بسائر محاور الحركة والتسويق والتصدير.
كما يجب النظر بنفس المنظور إلي الجهود المستمرة من عقد من الزمان بهدف تحويل محاور مرورية إقليمية تمتد عبر محافظات مصر إلي طرق دولية تستوفي جميع مواصفات الطرق الدولية التي يطلق عليها طرق حرة والتي يتم تنميتها وتأهيلها للارتقاء إلي هذه المرتبة لخدمة حركة النقل والمواصلات -بغض النظر عما قد تعكسه علي غير الحقيقة من أنها تخدم شريحة محدودة جدا من المواطنين -ولعل في صدارة هذه الطرق الدولية الحرة طريق الساحل الشمالي الأفريقي المزمع أن يمتد من ميناء دمياط في شمال شرق مصر حتي الحدود المصرية الليبية عند السلوم, ليتواصل مع المحاور المثيلة له من الطرق الساحلية الدولية الممتدة عبر ليبيا وتونس والجزائر وصولا إلي المغرب… ولا يفوتني في هذا الصدد أن أذكر مشروع المحور الدولي الطموح أيضا الجاري دراسة تنفيذه عبر قارة أفريقيا ليربط شمالها بجنوبها وهو محور الإسكندرية- كيب تاون الذي سوف يربط مصر شمالا بجنوب أفريقيا في أقصي جنوب القارة لخدمة حركة الاستثمار والنقل.
في هذا الإطار نعود إلي الطريق الساحلي الشمالي الذي يطلق عليه مجازا الإسكندرية- مطروح والذي قفز إلي صدارة الأنباء الشهر الماضي بعدما أعلن عن تطويره وتأهيله طبقا لمعايير الطرق الدولية الحرة.. وذلك استلزم تقسيم مساره إلي الطريق الدولي الحر ذي الاتجاهين دون اعتراض أية تقاطعات أو طرق فرعية, وعلي جانبيه طريقا خدمة لربطه بالتجمعات العمرانية والخدمات والأنشطة الكائنة عبر مساره.. ويكون الربط بين الطريق الدولي وطريقي الخدمة عبر مجموعة من نقاط التحويل الدائرية التي تعلوه وترتبط به بعدد من المنحدرات الصاعدة إليه والهابطة منه تبعا لتوزيع مسارات الحركة.
في البداية تم تغذية وسائل التواصل السائدة عبر التليفون المحمول بخرائط ورسائل شرح أوضحت كل جوانب التطوير المذكور وكيفية استخدام قائدي السيارات والمركبات ووسائل النقل له والاحتمالات المختلفة لتبادل الحركة بين المسارات الرئيسية للطريق الدولي الحر والمسارات الفرعية لطريقي الخدمة علي الجانبين… وكان الأمر يبدو واضحا ويسهل اتباعه خاصة مع توافر اللافتات الإرشادية.. لكن ماذا حدث؟
يبدو أن الهدف الأصلي من تحويل الطريق الساحلي إلي طريق دولي حر علي مستوي شمال أفريقيا ضل طريقه, وتم اختزال الهدف فيما يخدم مصالح شريحة ملاك ومرتادي قري وتجمعات المصطافين في الساحل الشمالي والتي تتركز في المسافة بين الكيلو (101) إلي الكيلو (156) علي طريق الإسكندرية- مطروح طبقا لما جاء في النشرة الإعلامية المصورة التي أعلنتها السلطات المسئولة… وليت الأمر اقتصر علي ذلك.. إلا أن تسلط تلك الرؤية المحدودة القاصرة أدي إلي تغيير خطير في التخطيط المزمع لا أجد له أي هدف سوي خدمة المصالح المباشرة للمصطافين ومالكي الوحدات في القطاع المذكور… فقد فوجئ جميع قائدي المركبات الذين ارتادوا الطريق المذكور خلال الأسبوعين الماضيين أنه تم تخطيط كل من طريقي الخدمة علي جانبي الطريق الدولي الحر بحيث تكون الحركة في كل منهما في الاتجاهين… أي أن طريق الخدمة جهة القري الشاطئية والذي كان مقصودا أن تكون الحركة فيه من الشرق إلي الغرب -أي اتجاه الإسكندرية- مطروح أصبحت الحركة فيه في الاتجاهين بحيث يفصل بينهما خط أبيض مزدوج متصل ومزود بأسهم في الاتجاهين, وفي الجانب الآخر من الطريق الدولي الحر بالمثل علي طريق الخدمة جهة الخدمات والتجمعات الداخلية والذي كان مقصودا أن تكون الحركة فيه من الغرب إلي الشرق -أي اتجاه مطروح- الإسكندرية أصبحت الحركة فيه في الاتجاهين وأيضا يفصل بينهما خط أبيض مزدوج متصل ومزود بأسهم في الاتجاهين!!!
الحقيقة الصادمة أنه لا يوجد أي تفسير منطقي لذلك التغيير سوي أنه تم استجابة لمطالب بعض قاطني ومرتادي تجمعات وقري الساحل الشمالي في المنطقة المذكورة… لأنه لا يستقيم إطلاقا مع اتجاهات الحركة الآمنة التي كانت مقصودة والتي كانت تقتصر الحركة في كل من طريقي الخدمة علي اتجاه واحد فقط, أن يتم السماح باتجاهين للحركة متواجهين في كل من طريقي الخدمة, وهو ما أسفر عن صور خطيرة صادمة أغرقت مواقع التواصل تفضح جميع أشكال تداخل وتقاطع وانفلات الحركة في الاتجاهين المتجاورين المتواجهين, حتي إن مرتادي طريقي الخدمة صرخوا من الفوضي الكائنة صباحا وزادوا عليها بالرعب من تأثير الأضواء الساطعة للسيارات المواجهة ليلا… وهنا هل يصلح أن نطلق علي الهدف الأصلي من تطوير الساحل الشمالي جه يكحلها عماها؟!!!