محاولة منع القيامة
كانت قيامة السيد المسيح من بين الأموات, هي الحدث الأكبر الذي هز كيان اليهود, فحاولوا أن يقاوموه بكل الطرق.
حاولوا مقاومة القيامة قبل حدوثها, وحاولوا ذلك بعد أن حدثت أيضا.
كان السيد المسيح قد بشر بقيامته قبل أن يصلب, فقال للتلاميذ أكثر من مرة إن ابن الإنسان سوف يسلم إلي أيدي الناس الخطاة فيجلدونه ويصلبونه ويقتلونه, وفي اليوم الثالث يقوم. قال لهم ذلك وهم صاعدون إلي أورشليم (متي 20: 18ـ 19) (مر 10: 33 ـ 34) ـ (لو 18, 31 ـ 33)0 وقال ذلك في مضيهم إلي الجليل (متي 17: 22), وقال هذا أيضا بعد اعتراف بطرس أنه المسيح ابن الله الحي متي 16: 21. وبعد التجلي قال لهم ألا يتحدثوا بما أبصروا إلا متي قام ابن الانسان من الأموات (مر 9: 9). وقال لهم في يوم الخميس الكبير ولكني بعد قيامي اسبقكم إلي الجليل (مر 14: 28), كما ضرب لهم مثل يونان النبي متي 12: 4.
وكان رؤساء الكهنة والفريسيون يعرفون ما تنبأ به الرب عن قيامته. لذلك ذهبوا إلي بيلاطس وقالوا له تذكرنا أن ذلك المضل
قال وهو حي إنني بعد ثلاثة أيام أقوم.. فمر بضبط القبر إلي اليوم الثالث لكلا يأتي تلاميذه ليلا ويسرقوه, ويقولوا للشعب إنه قام من الأموات, فتكون الضلالة الأخيرة أشر من الأولي (متي 27: 62 ـ 64).
فماذا كان الشر الذي يخشونه من القيامة, حتي أنها تكون أخطر من تعليم المسيح الذي لقبوه بالضلالة الأولي؟.
كانت قيامة المسيح تدل علي صدقه وصدق نبوءته, كما كانت تدل أيضا علي قوته, وعلي أن صلبه لم يكن ضعفا منه, إنما كان تدبيرا لأجل خلاص البشر.
وكل هذا يقود إلي الإيمان به, وإلي تثبيت هذا الايمان بالأكثر. لذلك قاموا بكل الإجراءات التي تضمن في نظرهم منع القيامة. إذ وضعوا علي باب القبر حجرا كبيرا وختموا الحجر, وضبطوا القبر بالحراس متي 28: 66. ولم يخجلوا أن يفعلوا كل ذلك في عشية السبت بعد الاستعداد وهم الذين كانوا يتهمون السيد المسيح لأنه فتح عيني المولود أعمي يوم سبت يو 9: 16 ـ 24.
ولكن كل احتياطاتهم أصبحت أدلة علي القيامة بالأكثر, إذ قام المسيح علي الرغم من كل ذلك.
وجود الختم علي القبر, ووجود الحراس مع وجود القبر فارغا, كلها كانت إثباتات للقيامة.
المنديل والأكفان
وأيضا من الإثباتات الواضحة للقيامة, وجود الأكفان موضوعة, والمنديل ملفوفا في ناحية واحدة.
فكيف أمكن الخروج من هذه الاكفان التي كانت لاصقة بالجسد تماما. وإن كان الجسد قد أخذه أحد, فكيف جرده من أكفانه اللاصقة؟
وما الحكمة في ذلك؟!
وكيف أمكن تدبير كل ذلك بكل هدوء, مع وجود الحراس؟ لذلك ليس عجيبا قول الانجيل إن التلميذ رأي المنديل والأكفان مرتبة هكذا ـ رأي فآمن ـ (يو 20: 8).
أكذوبة سرقة الجسد
ولا يعقل أن يكون تلاميذه قد سرقوه!
لأنه لا توجد مصلحة لهم إطلاقا في هذه السرقة. لأنهم كانوا خائفين وقد هربوا وقت القبض عليه.. كما أنه من غير المعقول أن يخترعوا قصة القيامة, ويجاهدوا حتي الموت والسجن والجلد من أجل قصة مكذوبة.. ولا يعقل أن يأخذ التلاميذ سيدهم عاريا, ويجردوه من أكفانه, فليست في ذلك كرامة له ولالهم. كما أن في ذلك مضيعة للوقت, وتعريض الأمر للانكشاف…
ومن ناحية التنفيذ توجد استحالة. كيف يخترقون نطاق الحراس؟
كيف يدحرجون الحجر الضخم دون إحداث ضجيج يلفت النظر إليهم؟
ويوقظ الحراس إن كانوا قد ناموا؟ وكيف يحملون جثمانا في يوم سبت؟
وكيف يفعلون ذلك والأنظار مركزة علي القبر؟
وكيف يمكن تصديق ـ نوم الحراس مع صرامة القانون الروماني؟!
وإن أرادوا النوم, لماذا لم يقسموا الوقت بينهم في ذلك, بحيث ينام البعض في نوبات, ويكون البعض الآخر مستيقظا؟ وإن كانوا قد ناموا كلهم, فكيف لم توقظهم أو توقظ بعضهم عملية سرقة الجسد؟ وكيف لم يحاكموا علي ذلك؟
وكيف لم يجر تحقيق في حادث السرقة؟ ولم يجر تفتيش؟
والتلاميذ معروفون, وكذلك أماكنهم.. وأين تراهم وضعوا الجسد بعد وكيف دفنوه في يوم سبت؟ وإن كان الحراس نياما, فكيف عرفوا عنهم أن تلاميذه أتوا ليلا وسرقوه؟
ولماذا عن شهود القيامة وهم كثيرون؟
هل كان كل أولئك كاذبين؟ وكيف أجري الله علي أيديهم معجزات وهم ينشرون خديعة وضلالا, ويدافعون عن الباطل؟!
علي أية الحالات كما حاول رؤساء كهنة اليهود منع القيامة قبل حدوثها حاولوا ايضا تشويه مجد القيامة بعد تمامها.
وبهذا لم يكونوا أهل تدين وصدق. لقد كسروا السبت في ضبط القبر وختمه. وقد كذبوا في موضوع القيامة وأغروا الحراس أيضا بالكذب, كما قدموا رشوة للجند لينشروا الكذب. وكانوا يستخدمون سلطانهم لدي الوالي خادعين الشعب كله. ثم اضطهدوا التلاميذ ظلما وهم يعلمون…
وكما أتوا بشهود زور وقت محاكمتهم للمسيح, أتوا أيضا بشهود زور لكي ينكروا قيامته…
كذلك لم يكن رؤساء كهنة اليهود من أهل الايمان.
لم يؤمنوا بمعجزات المسيح أثناء حياته بينهم, ولم يؤمنوا كذلك بمعجزة القيامة وهي واضحة أمامهم. ولم يؤمنوا بالمعجزات التي حدثت علي أيدي التلاميذ وباسم المسيح. كانت قلوبهم مغلفة تماما أمام الحق الواضح واتفقوا تماما علي أنهم لا يستجيبون إطلاقا مهما رأوا من معجزات لم يؤمنوا ايضا بكرازة التلاميذ.
قوة القيامة
السيد المسيح دل بقيامته علي أنه كان أقوي من الموت, وعلي أنه مات ليس ضعفا منه. ولا كان صمته أثناء محاكمته ضعفا منه… ولو كان تكلم لأفحم سامعيه واقنعهم. ولكن هذا لم يكن هدفه, كان هدفه أن يفدينا ولذلك عندما طلبوا إليه أن ينزل من علي الصليب لم ينزل مع أنه كان يستطيع… إذ كان هدفه أن يموت عنا ويتألم نيابة عنا ويدفع ثمن الخطية كفارة لنا وفداء.
حقا إن قيامته من الموت كانت أقوي من نزوله عن الصليب, كما أن قيامته كانت دليلا علي أنه كان بإرادته وليس مرغما..
وبخاصة لأنه قام بذاته دون أن يقيمه أحد. وخرج من القبر بذاته والقبر مغلق, كما خرج من بطن العذراء وبتوليتها مختومة…
حقا كما قال عن نفسه إن له سلطانا أن يضعها, وله سلطان أن يأخذها يو 10: 18.
قيامته دلت علي أن موته كان بذلا, ولم يكن قهرا.
وكان الإيمان بقيامته يعني الإيمان بحبه وبذله وفدائه للبشرية. وكان يعني الايمان بقوته وبكل ما قاله من قبل عن نفسه وعلاقته بالآب.
ودلت قيامته علي أنه كان أقوي من كل العوائق. كانت قيامته انتصارا علي كل معارضيه ومقاوميه, وانتصارا علي الموت وعلي الهاوية وعلي القبر وعلي الحجر الكبير وعلي الأختام وعلي الأكفان اللاصقة..
لذلك لما عرفه القديس بولس, قال لأعرفه وقوة قيامته (في 3: 10).
هذه بعض نواحي القوة التي رآها الناس علي الأرض, الي حوار قوة الظهورات المتعددة, وقوة الصعود إلي السماء والجلوس عن يمين الآب.
ولحظة دخوله إلي العلية والأبواب مغلقة وقوة تحويله للتلاميذ من قوم ضعفاء خائفين إلي أبطال ينشرون الكرازة بكل قوة وبلا مانع.
وكما كانت قيامته قوية, هناك قوة أخري سبقت قيامته…
تلك قوته بعد موته, التي استطاع بها أن يفتح أبواب الجحيم, ويخرج الأرواح التي في السجن بعد أن كرز لها بالخلاص ابط 3: 19 استطاع بهذه القوة أن ينزل إلي أقسام الأرض السفلي, وأن يسبي سبيا, ويعطي الناس عطايا الفداء, ثم يصعد أيضا بعد القيامة فوق جميع السموات لكي يملأ الكل (أف 4: 8 ـ 10).
هذه قوة الذي مات بالجسد, وكان بلا هوته حيا لا يموت.
إنها قوة ذلك الذي قال ليوحنا في سفر الرؤيا أنا الأول والآخر, والحي وكنت ميتا, وها أنا حي إلي أبد الأبدين آمين. ولي مفاتيح الهاوية والموت (رؤ : 17, 18. هذا القوي الذي قام ناقضا أوجاع الموت, إذ لم يكن ممكنا أن يمسك منه (أع 2: 24).
وقوة قيامة المسيح كانت تحطيما لرؤساء كهنة اليهود ولكل الصدوقيين.
وكانت دليلا علي جريمتهم في محاكمته وتقديمه للصلب. وكانت دليلا علي كذب كل ادعاءاتهم السابقة وبالقيامة يصبحون مدانين أمام الشعب.