حقا: لأنه بعد الصليب توجد قيامة وصعود, وأيضا جلوس عن يمين الآب
لو كانت المسيحية صليبا فقط, بدون أمجاد, لتعب الناس. وكما قال الرسول إن كان لنا في هذه الحياة فقط رجاء في المسيح, فإننا أشقي جميع الناس [1كو 15:19]. وإنما المسيحيون في حمل الصليب, إنما ينظرون إلي الأمجاد الأبدية غير ناظرين إلي الأشياء التي تري. بل إلي التي لا تري لأن الأشياء التي تري وقتية.. وأما التي لا تري فأبدية [2كو 4:18].
لذلك مع التعب الخارجي. يوجد سلام وعزاء
القديس أسطفانوس في ساعة رجمه, رأي السموات مفتوحة, وأبصر مجد الله [أع 7:56,55] أي فرح كان له في تلك الساعة.. وهناك فرح آخر كان يشعر به الشهداء, وهو أنهم قد أكملوا أيام غربتهم علي الأرض بسلام واقتربت لحظة لقائهم بالرب.. وبعضهم كان يبصر الأكاليل والأمجاد.. وبعضهم كانت رؤي مقدسة تعزيهم.
الصليب لا نفصله عن أفراحه وأمجاده: وأيضا لا نفصله عن معونة الله ونعمته
المسيحي قد يحمل صليبا, ولكنه لا يحمله وحده, ولا يتركه الله وحده. هناك معونة إلهية تسند وتعين. هي التي وقفت مع الشهداء حتي احتملوا الآلام وهي التي تقف مع المؤمن في كل ضيقة. هناك عبارة الرب المشجعة لاتخف… لأني أنا معك, ولا يقع بك أحد ليؤذيك [أع18:10,9] تشدد وتشجع لا ترتهب ولا ترتعب, لأن الرب إلهك معك حينما تذهب [يش 1:9].
يحاربونك ولا يقدرون عليك. لأني أنا معك ـ يقول الرب ـ لأنقذك [أر 1:19].
محبة المسيحية للصليب
إنه رمز يتمسك به كل مسيحي لمعانيه الروحية والعقيدية.
نعلقه علي الكنائس, وندخله في كل نقوشنا, ونعلقه علي صدورنا ونرشمه علي أنفسنا, ونبدأ به صلواتنا. ونرشم به طعامنا, ونقدس به كل مالنا. ويحمله رجال الكهنوت في أيديهم, ويباركون به الشعب. ويستخدم في كل الأسرار الكنسية, وفي كل الرشومات والرسامات مؤمنين أن كل بركات العهد الجديد جاءت نتيجة الصليب. ملابس الإكليروس أيضا موشاة بالصليب, ليس لمجرد الزينة, إنما لبركته وقوته. ونحن نعيد للصليب عيدين, ونحمل الصليب في المواكب والحفلات.
ونري في رشم الصليب قوة تخافها الشياطين.
فكل تعب الشياطين في إهلاك البشر, ضاع عن طريق الخلاص الذي تم علي الصليب لذلك يخاف الشيطان علامة الصليب.. علي شرط أن يكون رشم الصليب بإيمان وبخشوع قال القديس بولس الرسول إن كلمة الصليب عند الهالكين جهالة وأما عندنا نحن المخلصين فهي قوة الله [1كو 1:18] لذلك يحصن الإنسان نفسه برشم الصليب.
كيف تحمل صليبك عمليا؟
1ـ الصليب هو علامة حب وبذل وتضحية وفداء تحمله كلما تعبت لأجل هذه الفضائل
حاول أن تتعب من أجل إراحة غيرك, ومن أجل إنقاذه وخدمته. وثق أن الله لا ينسي أبدا تعب المحبة, بل كل واحد سيأخذ أجرته حسب تعبه [1 كو 3:8].. تدرب أن تعطي: مهما بذلت وتحملت وضحيت.. وتدرب أن تعطي أيضا من أعوازك, كما فعلت الأرملة المطوبة [لو 21:4].. اتعب في خدمتك فبمقدار تعبك, يظهر حبك, وبذلك وتظهر تضحيتك.
2 ـ الصليب أيضا علامة ألم واحتمال:
فأنت تحمل صليبا إن كنت من أجل الرب تحتمل ضيقته, أو من أجل برك ينالك اضطهاد أو من أجل بذلك تصاب بمرض أو ضعف… كذلك إن كنت تحتمل متاعب الناس دون أن تنتقم لنفسك, بل تحول الخد الآخر, وتمشي الميل الثاني ولا تقاوم الشر [متي 5: 39ـ 42].. سواء كان احتمالك في محيط الأسرة, أو في مجال الخدمة أو في نطاق العمل.
3 ـ وتحمل صليبا, إن كنت تصلب الجسد مع الأهواء غل 5:24.
فتبذل كل جهدك لكي تصلب رغبة أو شهوة خاطئة, وتنتصرعلي نفسك. وتصلب فكرك كلما أراد أن يشرد بك, كما تضبط حواسك وتلجم لسانك وتقهر ذاتك. وتمنع جسدك عن الطعام محتملا الجوع, مبتعدا عن كل طعام شهي, وعن كل لذة جسدية, وعن محبة المال.
4 ـ وتحمل صليبك في إنكار ذاتك بأخذ المتكأ الأخير وبعدم السعي وراء الكرامة وبتنازلك عن حقوقك, وعدم أخذ حقك علي الأرض, وتفضيل غيرك علي نفسك في كل شيء بالمحبة التي لا تطلب ما لنفسها [1كو 13:5], وبالتواضع والزهد, والبعد عن محبة المديح والكرامة.
5 ـ وتحمل صليبك بأن تحمل خطايا الآخرين, فهكذا فعل المسيح
لا مانع أن تحتمل ذنب غيرك وتعاقب عنه بدلا منه. أو أن تحتمل مسئوليات غيرك وتقوم بها عوضا عنه. وكما قال القديس بولس لفليمون عن إنسيموس إن كان قد ظلمك بشيء أو لك عليه دين, فاحسب ذلك علي.. أنا أوفي [فل 18:19].. علي قدر استطاعتك اشترك في آلام الآخرين, وارفعها عنهم. وكن قيروانيا تحمل صليب غيرك.
6 ـ تعود الصبر, فالصبر صليب.
وبعد, لم أحدثك في هذا المقال عن المعاني اللاهوتية للصليب. نؤجلها إذن إلي مناسبة أخري.