بعد أن باغتتنا الأسبوع الماضي واقعة استشهاد القمص أرسانيوس وديد راعي كنيسة السيدة العذراء والقديس بولس الرسول بكرموز- الإسكندرية, علي أثر طعنة غادرة تلقاها من قاتل مضلل يقف الآن أمام العدالة الأرضية, كتبت أسجل مشاعري تجاه مصر الوطن والكنيسة, راصدا مشاعر العزاء والمواساة التي عبرت عنها قيادات مصر وشعبها -بمسلميها ومسيحييها- والاستنكار العام لعودة مثل تلك الجريمة في سياق يتناقض مع مسار المصالحة والتحديث والمواطنة الذي تشهده مصر منذ ما يقرب من عقد من الزمان.
بجانب الألم- والغضب- الذي شعر به كثير من الأقباط, والرفض والاحتجاج الذي عبر به كثير من إخوتنا المسلمين, وجدت نفسي واقفا في مفترق طرق: هل أسكب الزيت علي نار الألم والغضب التي تعتري الكثيرين؟.. أم أتولي امتصاص المشاعر المتأججة بحصر الجريمة الشنعاء في محدوديتها وتسليط الضوء علي سبل تفهم إرادة الله في كل ما يحدث في حياتنا… اتقاء لجموح قد يعتري البعض لمواجهة العنف بالعنف, والكراهية بالكراهية, والزج بالوطن في معارك كارثية لا طائل من ورائها سوي الخسارة والخراب.
في مفترق الطرق هذا, كان لزاما علي أن أقدم إجابة شافية لمن يتساءلون: هل عدنا إلي عصور الإرهاب؟… هل فقدنا إحساس الأمان؟… كيف نتعايش مع أحاسيس الخوف والألم والخسارة؟… وقبل أن أبدأ في البحث عن إجابات لتلك الأسئلة دعوني أقول إن كلي ثقة في مسار تحقيق العدالة الأرضية الذي يجري حاليا, لكني وقفت متأملا ومشدوها لكلمة روحية وصلتني بتاريخ 9 أبريل الماضي من صديق عزيز دأب علي موافاتي بكلمات روحية يومية أظل ممتنا إزاءها, وتعتريني مشاعر أعجز عن التنكر لها بأنها تعكس إرادة إلهية مقدسة تخاطبني بما أحتاجه في كل موقف… وطالما تعجبت وتساءلت: كيف تأتيني تلك الكلمات في هذا التوقيت تحديدا؟.. لكن الإجابة كانت واضحة وشافية: إن محبة الله قادرة علي إيصال كلمته الملبية لكل احتياج في سائر المواقف… وإليكم ما وصلني في هذا الخصوص:
*** لا تستغربوا البلوي المحرقة التي بينكم حادثة (رسالة بطرس الأولي4:12).
إن الآلام المعروضة علينا بأنواعها المختلفة التي يقدمها العالم لم تعد للمسيحي مصدر تساؤل, وليس من المقبول أن يقول المسيحي: لماذا أتألم؟.. ولماذا يتركني الله هكذا مظلوما مهانا؟.. ولماذا يسمح لي الله بكل هذه التجارب والضيقات؟
الآلام, وإن كانت طريق الناس كلها, وهي أمر طبيعي واقع علي كل ذي جسد أن يتألم ويحزن, إلا أن المسيحي بنوع خاص قد صارت له هذه كلها وسائل لإظهار حبه وطاعته وأمانته وصبره ورجائه… هذه الوسائل التي ينال بها الملكوت.
إن آلام المسيح وموته هي الرد علي السؤال: لماذا أوجد الله الآلام؟.. لماذا سمح بالأمراض والأحزان؟.. لماذا حكم بالموت علي الإنسان؟.. سيظل أمامنا الألم والحزن لا معني ولا مبرر لهما, أو حتي تعريفا أو شرحا إلي أن نتقبلهما ونرحب بهما علي نمط ومثال سيدنا المسيح, وحينئذ سوف ينكشف لنا بعد جديد للألم, ولا نعود نبحث عن تفسير له, بل نجد أن قبولنا للألم برضا وسلام صار هو السبيل العجيب الذي ينقلنا إلي إدراك معني سام للحب, وحينئذ سوف ندرك أن الألم وما يصاحبه من حزن أو مرض أو ضيق أو ظلم, ليس من جزاء نناله من جراء احتماله أعظم من الشعور بالنصرة علي الألم والمعاناة اللذين هما صورة العالم الحاضر… ففي الحقيقة إن الذي يستطيع أن يحتمل الألم بشكر وفرح يكون قد انتصر علي العالم كله.
*** أردت أن أشارككم هذه النبذة التي وصلتني من صديق- والتي أؤمن أنها مرسلة من الآب السماوي لتلبية احتياج وقتي لتهدئة النفوس وطمأنة المشاعر- وأصلي إلي الرب أن يلهمنا الحكمة لأن نتكاتف في هذا الموقف الصعب لما يتطلبه من الشهادة بالإيمان الذي بداخلنا والذود عن صالح وطننا الحبيب.