هي تجلس إلي جانبه علي شاطئ البحر, يدها متشابكة مع يده ونظراتهما تمتد إلي الأفق في سعادة لا حد لها, والابتسامة تعلو الوجهين ونظرات حانية تحيط بوجهها من آن لآخر. ويدور الحديث بينهما همسا بعد أن اختار مكانا هادئا.
ـ أخيرا أصبحنا وحدنا, واختفت عيون الناس التي كانت ترقبنا وتحصي علينا حركاتنا وسكناتنا وتفسد علينا لحظاتنا الحلوة.
ـ لقد انتهي هذا العهد, ولن أبتعد عنك لحظة واحدة ياحبيبي, علي الأقل طوال شهر العسل.
ـ شهر العسل سوف يمتد طوال عمرنا.
ـ حقا.. أتمني لو عشت معك طول العمر في مكان وحيدين لا يفسد وحدتنا أحد.
ـ أنت لي.. وسوف يمتد العمر أمامنا لننهل من السعادة حتي نكتفي.
ـ لن نكتفي أبدا.
ـ احس بلمسات من البرد.
ـ سوف أحضر لك ياحبيبيبلوفر حالا من الفندق.
ـ كلا لا أريد أن أتعبك, ابق أنت وسوف أذهب أنا لأحضره
ـ لابد من أن أذهب أنا لأعد لك طعام الغذاء وأرسل لك قمصانا للمكوي.
ـ لا أحس بالجوع.. يكفي أن أنظر إليك وأشبع.
ـ لكن لابد من أننا سنجوع بعد ساعات.
ـ نأكل في مطعم ياحبيبتي.
ـ وملابسك التي تحتاج إلي الكي.
ـ سأرسلها أنا.
ـ دعني أذهب.. لقد تذكرت.. أن جوربك الذي خلعته أمس يحتاج إلي غسيل.
ـ نعطيه لخادم الفندق ينظفه.. لا أريد أن أري يديك الرقيقتين وقد أفسد الغسيل جمالهما.
ـ كم أتمني أن أسعدك.
ـ لحظة ياحبيبتي.. أحضرالبلوفر لي ولك وأعود..
تعد ثلاثة أعوام من هذا الحديث تجلس الزوجة وبعيدا عنها بحوالي خمسة أمتار يجلس الزوج علي كرسي بلاج وطفل في الثانية يسير أمامهما وطفل آخر رضيع علي ساقي الزوجة. الزوج بالجريدة التي في يده وقد علا وجهه تعبير الضيق والغيظ.
ـ أف.. لم يعد في استطاعتي قراءة الجريدة حتي علي الشاطئ.
ـ وهل الشاطئ مكان لقراءة الجريدة؟
ـ وماذا أفعل غير ذلك إلي أن يأتي صديقي محمود؟
ـ وأنا, والطفلان, ألا نستحق أن تلتفت إلينا حتي في أيام إجازتك؟
ـ أوه… أنا الآن في إجازة.. هل تفهمين.. في إجازة.. اتركيني افعل ما يحلو لي.
ـ لم يعد الحديث معي يحلو لك.
ـ أنا لم أقل ذلك.
ـ وهل يفهم من كلامك غير هذا المعني؟
ـ أرجوك لم نحضر هنا لنتشاجر دعيني أقرأ جريدتي.
ـ والطفل الذي يجري هنا وهناك, ألا تلتفت إليه قليلا حتي لا يصيبه أذي؟
ـ جميل.. في كل مكان نذهب إليه تكلفيني بحراسة الطفل كما لو كنت صغيرا أحتاج إلي تعليمات.
ـ أنا لا أصدر تعليمات.
ـ ولماذا أنا دائما, وكلما خرجنا أكلف بحراسة الطفل.. نسيت واجبك كأم.. إنك تلقين بكل الأعباء علي.
ـ أنا؟ أنا التي ألقي بكل الأعباء عليك؟ ألا تري أني مشغولة برعاية طفلنا الثاني, هل كثير أن تساعدني؟
حتي هنا علي الشاطئ لا يخلو حديثك من التأنيب والسخرية.
ـ من الأفضل أن لا أحادثك إطلاقا.
ـ أنت دائما هكذا حينما تشعرين بأنك أخطأت تحاولين إنهاء الحديث.
ـ أخطأت.. أخطأت.. دائما تقول ذلك أخطأت في ماذا؟
ـ هو هو.. في أشياء كثيرة, ملابس الطفل لم تعد قبل السفر إلا بدقائق, ملابسي مازالت عند المكوجي, نسيت إحضار كرسي الطفل الصغير, نسيت إحضار الشاي والسكر بعد أن أعددته.. هل أعدد لك كل أخطائك لن استطيع أن أتذكرها كلها.
ـ دائما تنسي مسئولياتي العديدة, ومشاغلي, تنسي خدماتي, تنسي كل شيء, ولا تتذكر غير الأشياء البسيطة التافهة.
ـ أين ذهب حسام.. لقد اختفي من أمامنا.
ـ أرأيت بدلا من الاهتمام به قضيت الوقت في تأنيبي.
ـ أنت المسئولة.. أنت أمه.
ـ أرجوك دعك من هذا اللوم. الحمد لله.. إنه خلف الشمسية يلعب مع طفل آخر.
ـ هل هذه طريقة لقضاء الإجازة, أليس لي حق الراحة والاستجمام؟
ـ وأنا ألا أحتاج إلي راحة واستجمام من كل متاعبي؟
ـ الحمد لله.. لقد حضر محمود.. سوف ألحق به وأنتهي من هذا الشجار.
لا تنسي أن تعدي الغذاء قبل الساعة الثانية.