قرأت تصريحين منشورين في صحيفة الأهرام بتاريخ 2021/12/8 فما هما؟ وما الرأي عندي؟
التصريح الأول لفضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب وأعرب فيه عن قلقه من ارتفاع وتيرة الإسلاموفوبيا المسيئة للإسلام في أوروبا وما يحمله ذلك من تكريس واضح للكراهية في فرنسا وأوروبا.
والتصريح الثاني لقداسة البابا تواضروس الثاني بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية حذر فيه من تهجير وإفراغ منطقة الشرق الأوسط من المسيحيين مؤكدا أن وجودهم في المنطقة أصيل حيث إن جذورهم فيها ممتدة منذ القرون الأولي, واللافت للانتباه في هذين التصريحين أن ثمة اتفاقا بينهما وهو يكمن في أن كلا منهما يشكو من أنه ليس فاعلا إنما مفعول به إذ يرد اللوم إلي الآخر الذي هو أوروبا.
في تصريح فضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب يقول: إن أوروبا هي الفاعل المحدث للإسلاموفوبيا, ومن ثم يبقي أن العالم الإسلامي مفعول به, أي فاقد الفاعلية.
ويقع اللوم علي الآخر المجهول الذي يحرض علي تهجير المسيحيين من منطقة الشرق الأوسط في تصريح قداسة البابا تواضروس, ومن ثم يبقي أن أولئك المسيحيين مفعول بهم, أي فاقدو الفاعلية.
ومع ذلك يلزم إثارة السؤال الآتي:
لماذا تركوا أنفسهم لفقدان الفاعلية؟ ومغزي السؤال أنهم سمحوا للآخر بأن يتغلغل بينهم ويدمر فاعليتهم بأسلوب لم يفطنوا إلي دهائه فحدث ما حدث, والمفارقة هنا أن هذا الآخر هو منهم وليس من غيرهم. في أوروبا كان سعيد رمضان زوج نجلة حسن البنا هو الذي ذهب إلي أوروبا وأسس الخلايا الإخوانية الإرهابية في عام 1958 تحت عنوان الجمعية الإسلامية الألمانية ثم انتقل بها إلي سويسرا ليكون بجوار مجلس الكنائس العالمي الذي تأسس في عام 1948, وكانت الغاية من ذلك الجوار تنفيذ الخطة التي بلورها جون فوستر دالاس وزير خارجية أمريكا الأسبق في كتابه حرب أم سلام الذي أصدره في عام 1950, وفي ذلك الكتاب قال دالاس: إن ثمة طريقين للقضاء علي المعسكر الشيوعي, طريق سلبي يتمثل في المعونات الاقتصادية والسياسية, وطريق إيجابي يدور علي ضرورة توحيد كل القوي الدينية من أجل احتواء المعسكر الشيوعي لتدميره. ثم ارتأي أنه ليس أفضل من باكستان حليفا لأنها أكبر دولة إسلامية لتحقيق هذه الغاية, ثم هي بحكم إيمانها الروحي تقف ضد الشيوعية بالضرورة, كما ارتأي أن اللبنانيين هم الجسر بين أمريكا والدول العربية لأنهم مسيحيون وبالتالي تكون توجهاتهم غربية.
والجدير بالتنويه هنا أن شقيق فوستر دالاس هو ألن دالاس مدير المخابرات الأمريكية من 1954 إلي 1959 وابن فوستر دالاس واسمه أفري كان أستاذا لعلم اللاهوت بالجامعة الكاثوليكية الأمريكية وأصبح فيما بعد كاردينالا, ومع التطور استطاع تنفيذ ما ارتآه فوستر دالاس من تحقيق الغاية المنشودة وهي زوال الاتحاد السوفييتي في عام 1991 ولكن بعد أن شاعت الأصوليات الدينية بإرهابها وتغلغلت في جميع مؤسسات دول كوكب الأرض.
أما في شأن هجرة المسيحيين فقد كانت الحجة المصطنعة في تهجيرهم أن عبدالناصر حاكم مسلم متعصب إلي الحد الذي دفع مسيحيي مصر إلي الهجرة إلي أمريكا وكندا وأستراليا. وكان المسئول عن تنظيم هذه الهجرة الأنبا صموئيل الذي لقبه أسقف الخدمات الاجتماعية والعلاقات المسكونية وشئون المغتربين. وبعد أن كان هؤلاء المسيحيون يعيشون في جيتو في مصر عاشوا في جيتو في دول المهجر. وفي هذا السياق أصدر إدوارد داكن أستاذ الاتصالات بجامعة فوردهام في عام 1963 كتابا عنوانه الرئيسي أقلية منعزلة وعنوانه الفرعي القصة الجديدة لقبط مصر انتهي فيه إلي نتيجة مفادها أن عبدالناصر كان من رأيه أنه علي قبط مصر التغلب علي هاجس الاضطهاد إذا أرادوا التكيف مع مصر الجديدة. أما رأي المؤلف فقد بلوره في أن الإخوان المسلمين ليسوا مجرد مجاهدين إنما هم متعصبون يريدون إعدام الأقلية المنعزلة في الحد الأقصي أو دفعهم إلي الانتحار في الحد الأدني.
وفي سياق عنوان المقال ومساره يلزم إجراء حوار إسلامي- مسيحي للانتقال من المفعول به إلي الفاعل.