فها هو الفاتيكان يقرر عقد المؤتمر الثاني في الفترة من 1962 إلي 1965 لنقد مفهوم المعصوم من الخطأ. هذا المفهوم الذي صاغه المؤتمر الأول للفاتيكان في الفترة من 1869 إلي 1970, وها هو الراحل هانس كينج اللاهوتي السويسري في عام 2021 والذي يعد من كبار علماء اللاهوت في القرن العشرين يصدر كتابا في عام 1970 وعنوانه المعصوم من الخطأ. ويقول في مفتتح كتابه: إن تجديد الكنيسة الكاثوليكية الذي أراده مؤتمر الفاتيكان الثاني قد توقف ومعه توقف التفاهم المسكوني مع الكنائس المسيحية الأخري كما توقف الانفتاح علي العالم المعاصر وذلك بعد خمس سنوات من انعقاده وهو وضع ليس في الامكان تجاهله بل ليس من الحكمة أن يصمت إزاءه رجال الكنيسة واللاهوتيون في مواجهة أولئك الذين يريدون المحافظة علي الوضع القائم. ومن هنا يكون من اللازم نقد سلطة الكنيسة, وكان هذا النقد هو محور الكتاب بعد أن كان هامشيا في كتاب آخر إلا أن كثيرا من قرائه ألحوا علي ضرورة أن يكون ذلك النقد محوريا, وقد كان في سياق أفكار محورية أخري ومن بينها نزعة لدي الرومان في امتلاك المطلق ومعه امتلاك التراث إذ كان من شأن ذلك أن دخلت الكنيسة الكاثوليكية في مأزق, ومع ذلك فقد قال الراحل جون كنيدي: إن الخروج من هذا المأزق لن يتم في مائة يوم ولا في ألف يوم بل ولا حتي في حياتنا علي هذا الكوكب, ولكن علينا أن نبدأ والجماهير هي التي ستحسم المعركة التي قد نكون فيها من المنتصرين أو المنهزمين, وعندما تبدأ المعركة فلن يكون في إمكان أحد اليوم من اللاهوتيين وقادة الكنيسة المحافظين إنكار ما حدث من أخطاء جسيمة ومن بينها إدانة جليليو وإحداث عداوة بين الكنيسة والعلم مازالت قائمة حتي الآن ومعها الاتهام بالهرطقة, وفي هذا السياق حاول هؤلاء المحافظين الفصل بين المعتقد والأخلاق وزعموا أن العصمة للبابا في مجال المعتقد وليس في مجال الأخلاق. ومع ذلك فالسؤال الذي يثيره هنا هانس كينج: أليس للمعتقد نتائج أخلاقية؟ وأليس وراء الأخلاق معتقد ما؟ وإذا أدخلنا الحرية في تبني معتقد ما فلن يكون من حق أحد ولا البابا نفسه أن يتدخل في فرض صيغة معينة للمعتقد.
والسؤال إذن: كيف تكون رؤية البابا إذا امتنع عن التدخل؟ جواب هانس كينج مبدع وهو علي النحو الآتي: إن الجواب بين السؤالين يبدأ بسؤال: أين يكمن سر الكنيسة؟ يكمن في أن البابا لن يكون هو المركز والأساقفة في الهامش بل المركز في الايبارشيات والتي في النهاية تتحقق وحدة الكنيسة. والبابا الذي يرفض أن يكون هو المركز معناه أنه لن يكون مرتعبا من حدوث أي انقسام لأنه سيحرض علي التنوع المشروع, هذا البابا لن يكون فوق الكنيسة أو خارجها إنما يكون داخلها مجددا وليس عائقا لها من التجديد, وهكذا يصبح تجديد الخطاب الديني في علاقة عضوية مع الباباوية اللامركزية ومن غير انقطاع لهذه العلاقة وبالتالي لن تكون الكنيسة في حاجة إلي تجديد لأنها في حالة دائمة من التجديد, وهكذا يلزم أن يكون هذا هو حال السلطة الدينية في أي دين كان.