تعد مشكلة الزيادة السكانية, ما يعبر عنها أيضا بمصطلحات أخري من نوع التضخم السكاني والانفجار السكاني, من حيث ازدياد عدد السكان مقارنة بالموارد والإمكانيات المتاحة, واحدة من بين أخطر المشكلات وأبرز التحديات التي يواجهها المجتمع المصري في الوقت الراهن, حيث إنها تعوق الكثير من خطوات الاستقرار وجهود التنمية ورغبة المصريين في تحقيق جودة حياة أفضل للفرد والجماعة, كما أنها تعرقل الجهود الخاصة بالخروج من عنق الزجاجة, تلك العبارة التي تتردد منذ عهود طويلة وسنوات بعيدة في تصريحات وخطابات الرؤساء والمسئولين, في مختلف المواقع والمناصب.
واقع الأمر أن الزيادة السكانية مشكلة قديمة, تنبه لها المسئولون مبكرا, ربما منذ ستينيات القرن العشرين, ولم يكن غريبا أن تكون تلك المشكلة حاضرة بقوة في خطابات رؤساء مصر السابقين بين الحين والآخر, بالإضافة إلي بعض أفعالهم وأعمالهم, فقد أسس الرئيس الراحل جمال عبدالناصر المجلس الأعلي لتنظيم الأسرة سنة 1965م, وأولي الرئيس الراحل محمد أنور السادات ومن بعده الرئيس المخلوع محمد حسني مبارك اهتماما واضحا بخطورة هذه القضية, حيث أسس السادات مدينة السادات بمحافظة المنوفية كعاصمة إدارية جديدة بهدف تخفيف الضغط عن التكدس السكاني في مدينة القاهرة ولكنه مشروع لم يكتمل, ودعا مبارك إلي عقد المؤتمرات القومية للسكان بالتعاون مع منظمات المجتمع المدني للتوعية والإعلام بخطورة هذه المسألة, أما الرئيس المعزول محمد مرسي فمن الواضح أنه لم يكن يعي أبعاد المشكلة, علي نحو كاف, ومن ذلك أنه لم يبد اعتراضا علي الزيادة السكانية معتبرا أنها قيمة مضافة وثروة قومية تحتاج توجيها, وهو قول يبدو وجيها في شكله ولكنه يفتقد للمضمون والجوهر.
وقد أشار الرئيس عبدالفتاح السيسي, في أكثر من مناسبة قومية, إلي تلك المشكلة, وأبرز عددا من الأرقام والإحصائيات, مبينا أن الزيادة السكانية لا تقل خطرا عن مشكلة الإرهاب, وأنها تعوق التقدم, حيث تشهد مصر زيادة سكانية سنوية مقدارها 2.5 مليون نسمة, وهي دون شك زيادة كبيرة, الأمر الذي يتطلب وقفة مجتمعية جادة تشترك فيها كافة المؤسسات والهيئات, الرسمية والمدنية, من أجل رفع وعي المواطن بخطورة هذه المشكلة بأبعادها المعقدة والمتشابكة والنتائج المترتبة عليها علي كافة المستويات والأصعدة الاقتصادية والاجتماعية.
حقيقة الأمر أن مواجهة الزيادة السكانية تتطلب وعيا مجتمعيا شاملا..
أولا وعي ديني بأن تنظيم الأسرة ليس ضد تعاليم الأديان السماوية, فمن غير المعقول كثرة الإنجاب مع إهمال في التربية والتعليم والتثقيف, فضلا عن ضعف التمكين الاقتصادي للأجيال الجديدة, ومن جانب آخر فإن جودة الحياة تتطلب الاهتمام بالكيف لا بالكم, من حيث تعليم جيد وصحة جيدة وترفيه مطلوب.
ثانيا وعي ثقافي ومعرفي بأن العزوة الحقيقية ليست في العدد الكبير من أفراد الأسرة, وإنما في الحياة الكريمة, المناسبة واللائقة, وأنه انقضي زمن التفرقة بين البنت والولد لأن كليهما مفيد للمجتمع ونافع له.
ثالثا وعي اقتصادي- اجتماعي بأن الزيادة السكانية ليست في صالح مجتمع نام يتطلع أبناؤه إلي تنمية حقيقية تتضمن توفير الخدمات الأساسية في مجالات الغذاء والمياه والصحة والتعليم والسكن وغيرها.
رابعا وعي صحي بأن الرجل والمرأة, وفي ظل ضغوط الحياة ومتطلباتها الكثيرة, لا يستطيعان رعاية أطفالهما وتنميتهم وتكوين أسرة سعيدة إلا مع عدد مناسب من الأطفال.
إن دورا مهما يقع علي عاتق المؤسسات الدينية, الإسلامية والمسيحية, في خطاباتها وأنشطتها, بالإضافة إلي دور المؤسسات الإعلامية والثقافية والتعليمية والفنية والمدنية والشبابية, في توعية المواطنين بخطورة المشكلة السكانية, والحاجة إلي تنظيم النسل, وإعلاء قيمة العمل وزيادة الإنتاج والتوسع في التصدير.
لقد أولت الدولة اهتماما كبيرا بهذه القضية, حيث تأسست وانطلقت عدة حملات خلال السنوات القليلة الماضية لمواجهة الزيادة السكانية, مثل حملة اتنين كفاية, كما اهتمت بعض منظمات المجتمع المدني بالأمر ذاته, حيث أذكر في هذا المقام أنني شاركت منذ فترة في مناقشة الاستراتيجية الإعلامية الخاصة بالقضية السكانية في مصر, التي تعدها الهيئة القبطية الإنجيلية للخدمات الاجتماعية, وأشارت فيها إلي عدد من الأفكار والمقترحات الجديرة بالاهتمام مثل تدقيق المصطلحات المستخدمة في وسائل الإعلام بشأن القضية السكانية, تبسيط الرسائل وتناول كافة أبعاد المشكلة, الاهتمام الدائم والمستمر لا الاهتمام الموسمي, عودة الاهتمام الدرامي بتلك القضية, التنسيق مع المؤثرين علي شبكات التواصل الاجتماعي لطرح هذه القضية في مشاركاتهم وإسهاماتهم, إعداد دراسات إعلامية دقيقة عن المشكلة السكانية, التعامل السريع مع الشائعات ومواجهتها, تنشيط فصول محو الأمية, دعم جهود المجتمع المدني, إلقاء الضوء علي قصص النجاح, زيادة الوعي العام للإعلاميين بأهمية قضايا الأسرة والسكان والصحة الإنجابية, وتزايد مساحة التغطية الإعلامية للقضايا المتعلقة بالمشكلة السكانية بالتعاون مع منظمات المجتمع المدني.
د.رامي عطا صديق
[email protected]