إنه يوم عيد سيدي, نحتفل به بألحان الفرح قبل أن ندخل في ألحان البصخة الحزينة.
قبل المسيح أن يدخل أورشليم كملك, إذ كان ملكوته قد اقترب, نعم اقترب اليوم الذي يقضي فيه علي مملكة الشيطان, ويدوس بموته علي الموت الذي أدخلته الخطية إلي العالم, فيؤسس ملكا خاصا, ولكن اختلف فهم اليهود معه في معني الملك.
هو يريد ملكا روحيا. وهم يريدون ملكا دنيويا.
إنه يريد أن يؤسس مملكة ليست من هذا العالم, مملكة روحية تبني علي الحب, يملك فيها الله لا الإنسان. ولكنهم كانوا يريدون مملكة كإحدي ممالك العالم, تبني علي السلطة, يكون رئيسها من نوع شمشون وجدعون, أو يكون قائدا كيشوع
يريدون مظهرا خارجيا أساسه القوة والجيش. أما ملك الله عليهم فلم يفكروا فيه… لقد هتفوا له أوصنا يا ابن داود. وكلمة أوصنا أو هوشعنا, معناها خلصنا.. ولكنهم طلبوا منه الخلاص كابن لداود, كوريث لعرشه وتاجه, وليس كابن لله… هو أراد أن يخلصهم من خطاياهم. فاسمه يسوع أي مخلص (متي 1:2). أما هم فما كانوا يريدون إلا خلاصا من حكم الرومان.
لقد أراد أن يخلصهم من عبودية الشيطان والخطية والعالم, وهي عبودية أصعب بكثير من عبودية الرومان. لأن العبودية لقيصر قاصرة علي غربة هذا العالم, بينما العبودية للشيطان تضيع أبدية الإنسان كلها..
كان المسيح يريد القلب, واليهود يريدون العرش.
هو يريد أن يحررهم من الخطية, أما هم فلا يشغلهم إلا التحرر من الحكم الأجنبي. وما كان يخطر لهم علي بال ذلك الفهم الروحي الذي يقصده بعبارة إن حرركم الابن, فبالحقيقة تكونون أحرارا (يو8:36).
كان لابد إذن من اصطدام بين فكره وفكرهم..
عندما دخل إلي أورشليم كملك, فرح به البسطاء, بينما تضايق منه الكهنة والشيوخ والكتبة والفريسيون.
عامة الشعب فرحوا به, لأنه كان متواضعا لا يتعالي عليهم, وهو ذا قد أتاهم وديعا راكبا علي جحش ابن آتان (زك 9:9).
ارتجت المدينة كلها للقائه (متي 21:10). وبسبب المعجزات التي أجراها آمن به كثيرون (يو 12:10), ويقول معلمنا لوقا الإنجيلي: إن الشعب كله كان متعلقا به يسمع منه (لو 19:48)… هتف الكل له, وفرشوا في الطريق, واستقبلوه بكل ترحيب..
أما الرؤساء فنظرتهم إليه لم تتجرد من الذات.
وهذه الذاتية اتعبت قلوبهم, وقادت كل تصرفاتهم, وأدت بهم إلي الحقد والمؤامرة والجريمة, الأمر الذي ما كان يتفق مع كهنوتهم, ولا مع علمهم, ولا مع مثالياتهم..
لقد أزعجهم ترحيب الشعب به, وتملكتهم الغيرة فحسدوه, وانتقدوا صياح التلاميذ وهتاف الأطفال… وقالوا هوذا العالم قد ذهب وراءه (يو 12:19).
عجبا, وأي ضرر في أن يسير العالم وراءه؟
أليس هذا الذي اشتهاه يوحنا المعمدان من قبل, أن تكون العروس للعريس.. وهو ينظر بعيد ويفرح (يو 3:29), ولكن هؤلاء الرؤساء والمعلمين لم يكونوا من نوع يوحنا المعمدان. بل لم يستطيعوا أن يقولوا إن معمودية يوحنا من السماء, وعندما سألهم السيد المسيح عن ذلك قالوا لا نعرف (لو 20:7,3). وكانوا يعرفون..
الذاتية قادتهم إلي محبة الاستحواذ علي الجماهير.
قادتهم الذاتية إلي الباطل إلي الكذب وإلي محبة الظهور وأسلمت داخلهم إلي ذهن مرفوض, فنظروا إلي المسيح كمنافس وكرهوه.!
ولما دخل المسيح إي أورشليم كملك, لم يرحبوا به, ورفضوا أن يملك عليهم, وهتفوا فيما بعد ليس لنا ملك إلا قيصر (يو19:15) بينما كانوا ينتظرون مجيء المسيا الذي يخلصهم من حكم قيصر حسب مفهومهم!! حقا ما أسهل أن تقود محبة الذات إلي النفاق, وإلي تملق الرؤساء, إن كان في ذلك تحقيق للذات حسبما يوهم الفهم المنحرف…
أما رفض هؤلاء للمسيح, فلم يضره بل أضرهم..
لقد أساءوا إلي أنفسهم وليس إليه, وكان السيد الرب يؤسس الملكوت الذي حرموا أنفسهم منه, وكان يبني الكنيسة, ويدبر قضية الخلاص. أما هؤلاء الكهنة والشيوخ والمعلمين, فكانوا منشغلين بسلبياتهم: يدبرون المؤامرات, ويشجعون الخونة, ويبحثون عن شهود كذبة, ويفكرون في قتل المسيح, ويعملون علي إثارة الشعب ضده, ويشعرون بملء السعادة إن ساعدهم الشيطان علي تحقيق رغباتهم الآثمة…!
ومعارضات هؤلاء الكهنة ومؤامراتهم, لم تمنع ملكوت المسيح.
وهذا الملك الوديع الذي دخل إلي أورشليم راكبا علي جحش, هذا الذي رفض أن يملك علي أورشليم مفضلا أن يملك علي خشبة (مز 95), والذي أسس ملكه الروحي, والمسامير في يديه.. انتشر ملكه إلي أقصي الأرض علي الرغم من كل المؤامرات..
وأنت, ماهي تأملاتك في يوم أحد الشعانين؟
في اليوم الذي نودي فيه بالمسيح ملكا علي أورشليم..
قل له تعال يارب واملك. ليأت ملكوتك في قلبي, وفي قلوب جميع الناس ليأت ملكوتك علي كل الشعوب وفي كل البلاد لتعرف في الأرض, وفي جميع الأمم خلاصك (مز66).
ابعد يارب عني كل ما يعرقل ملكوتك داخلي, ابعد عني الذاتية التي منعت ملكوتك عن رؤساء كهنة اليهود, وابعد عني الحرفية التي ابعدت الفريسيين عن ملكوتك, وابعد عني الحسد والغيرة التي بسببها ابتعد الكتبة والشيوخ والرؤساء..
اطلب من الرب أن يملك قلبك ولا تغلقه أنت.
قل له مستعد قلبي يارب مستعد قلبي (مز56) وافتح قلبك لكل تأثير روحي, واقبل عمل الله فيك. ولا تطفئ الروح ولا تتجاهل صوت الله في داخلك..
المسيح ملكا
كلنا نعترف بالمسيح ملكا, وهو لم يرفض الملك بصفة عامة, إنما رفض الملك الدنيوي.
ملك المسيح هو ملك أزلي أبدي, وقد قيل عنه في سفر الرؤيا مرتين: إنه ملك الملوك ورب الأرباب (رؤ 19:17,16: 14). وقد قال عنه دانيال النبي سلطانه سلطان أبدي ما لن يزول وملكوته ما لا ينقرض (دا 7:14).
ومنذ ولادته, وكأن هذا الملك هو التبشير الذي بشر به الناس, فقد أتي المجوس قائلين أين هو المولود ملك اليهود (متي 2:2).
وكانت أولي هداياهم له هي الذهب إشارة إلي ملكه, وفي بشارة الملاك للعذراء قال عنه (يعطيه الرب الإله كرسي داود أبيه. ويملك علي بيت يعقوب إلي الأبد. ولا يكون لملكه نهاية (لو 1:32:33).
ونحن ننادي السيد المسيح بلقب: ملك السلام
وذلك في لحن (إبؤرو) حيث نقول له: ياملك السلام أعطنا سلامك). وفي شرقية الكنيسة نرسم صورته كملك جالس علي عرشه, تحيط به الحيوانات الأربعة غير المتجسدة, التي ترمز أحيانا إلي الأناجيل الأربعة.
والمسيح ملك للعالم كله, وليس لشعب معين.
كما أراد اليهود أن ينصبوه ملكا عليهم وحدهم! في رقعة محدودة من الأرض, ولفترة محدودة من الزمن, هذا الذي ليس لملكه نهاية..
وعلي صليبه وضعوا لافتة: يسوع ملك اليهود (متي 27:37). وحتي اللص الذي كان إلي جواره علي الصليب اعترف به ملكا وربا, وقال له اذكرني يارب متي جئت في ملكوتك (لو23:42)..
المسيح له ملك روحي, يملك به علي القلوب.
وله أيضا ملك سماوي وهو ملك أبدي.
ونحن نؤمن أنه يأتي في ملكه ليدين الأحياء والأموات, الذي ليس لملكه انقضاء, وقد سماه الإنجيل في دينونته, إذ يقول في ذلك: ثم يقول الملك للذين عن يمينه: تعالوا يامباركي أبي رثوا الملك المعد لكم منذ تأسيس العالم (متي 25:34). ونحن ننتظر ملكوته هذا, حينما يأتي في مجد أبيه, علي السحاب مع ملائكته. وفي ربوات قديسيه..