تكلم الرب بالبركة على بنى ركاب الذين اطاعوا وصية أبيهم ألا يشربوا الخمر أبدا و قال لهم “من أجل انكم سمعتم لوصية يوناداب ابيكم و حفظتم كل وصاياه و عملتم حسب كل ما اوصاكم به لذلك هكذا قال رب الجنود إله إسرائيل لا ينقطع ليوناداب ابن ركاب انسان يقف أمامى كل الأيام” (ار١٨:٣٥ ). و بالرغم من هذه البركة العظمى التى يجنيها الإنسان من الطاعة إلا أن الطاعة لابد أن تكون مستنيرة. حتى القديس يحنس القصير الذى أطاع معلمه فى زرع عصا خشبية حتى أثمرت، لم تكن طاعته عمياء بل غاية فى الإست نارة، استشعر حب معلمه لله و ارتاحت نفسه التواقة للروحانيات العالية و انسجمت مع روح معلمه الذى يقوده روح الله القدوس، و لأنه كان فى داخله نوايا صادقة لقبول و طاعة تعاليم المعلم كان من السهل عليه أن يتحمل المشاق حتى انبتت العصا لتصير شجرة كبيرة مثمرة، شجرة الطاعة.
الحذر كل الحذر من الإنقياد و الإنصياع اللاواعى فالطاعة لابد و أن تكون واعية، و فى هذا يقول انبا انطونيوس [إن أمرت بشىء يوافق مشيئة الله فاحفظه، و إن أمرت بما يخالف الوصايا فقل إن الطاعة لله أولى من الطاعة للناس و اذكر قول الرب “ان خرافى تسمع صوتى و تتبعنى و ما تتبع الغريب”]. و إلا كانت الطاعة رذيلة لا فضيلة فكم من أناس هلكوا لأنهم تبعوا طريق بلعام دون وعى “أيها الغلاطيون الأغبياء من رقاكم حتى لا تذعنوا للحق” (غل١:٣ )،بمعنى من غيب وعيكم و استنارتكم الروحية حتى تتبعوا تعاليم باطلة، فاحذر من الانقياد و اعلم انه إن كان الرب يصف الذى ضلل الآخرين بأنه أعمى فمن ينقاد له فهو أيضا فى عمى “أعمى يقود أعمى يسقطان كلاهما فى حفرة” (مت١٤:١٥ ).
والاستنارة هنا لا يقصد بها الذكاء البشرى أو الحكمة العالمية، فالاستنارة لا تأتى إلا من الروح القدس الذى ينير طريق الانسان فهو الذى يرشد إلى من أطيع و متى أطيع.
الاستنارة هى قياس كل تعليم على تعاليم الكتاب المقدس فما يتفق معه مطاع حتى لو لم يتفق مع ميولى و ما يخالف وصاياه مرفوض حتى لو كان فيه تحقيقا لذاتى و مشيئتى “أن افعل مشيئتك يا إلهى سررت” ( مز٨:٤٠).