التعليم امانة عظمى تستلمها و تسلمها الكنيسة من جيل إلى جيل فى بذل و محبة و احتواء، فى تمسك و تدقيق يجمع بين عدم التفريط أو التهاون و بين العقل و القلب المنفتح الملتهب حبا فى غير تعالٍ او غطرسة.
يعطينا سفر الأعمال مثالا غاية فى الرقى و الإحترام بين أبلوس و اكيلا و بريسكلا، كان أبولس شخصا ذا حيثية فى الكنيسة، معلماً و واعظاً من الطراز الأول فقد كان يمتلك كل مقومات التعليم الصحيح، فمن حيث المعرفة يشهد له الكتاب قائلا “رجل فصيح مقتدر فى الكتب” (اع٢٤:١٨ ) و من حيث التقوى قيلعنه انه “حار فى الروح” و من حيث المهارة فى علم الوعظ كان له مريدون كثيرون لدرجة أن المؤمنين فى كورنثوس انقسموا منهم من يعتبر نفسه تلميذ بولس و آخر يفتخر بأنه تلميذ لأبولس.
يقول سفر الأعمال”فلما سمعاه اكيلا و بريسكلا أخذاه اليهما و شرحا له طريق الرب بأكثر تدقيق” (اع ٢٦:١٨ ). ذلك لأنه فى تعليمه لم يكن يعرف إلا معمودية يوحنا، كيف قبل هذا المعلم العملاق من شخصين مغمورين فى الكنيسة أن يصححا له مفاهيم عقيدية خاطئة و من ناحية أخرى كيف تجاسر الزوجان أن يعلما هذا الرجل الفصيح الذى كان باشتداد يفحم اليهود مبينا من الكتب أن يسوع هو المسيح و كان خبيرا فى طريق الرب؟ واضح أن الحب و الاتضاع هيمنا على الموقف، حب من ناحية بريسكلا و اكيلا و اتضاع شديد من ناحية أبولس.
كان الموضوع هاما جدا فى الكنيسة لأنه كان بدون قصد سيهمل سرا من أسرار الكنيسة سر المعمودية لأن معمودية يوحنا كانت مجرد رمز للتوبة دون فاعلية أما معمودية المسيح فكانت بالماء و الروح و لا يمكن أن تتهاون الكنيسة فى واسطة خلاصية كهذه حتى و إن كان من اغفلها هو ابولس نفسه.
على هذا المثال ظلت الكنيسة عبر السنين تحافظ على تدقيق التعليم و نقاوته و سلامته لذلك كان التقليد الابائى من جيل إلى جيل عاملا اساسيا فى حماية التعليم الصحيح حسب قول القديس بولس “ما سمعته منى بشهود كثيرين أودعه أناسا أمناء يكونون أكفاء أن يعلموا آخرين أيضأ” (٢تى٢:٢ ).