فرح يونان مدة يوم، بحسب وصف الكتاب “فرحا عظيما” ( يون٦:٤) واليوم التالى اغتم بحزن شديد.. يا لهذا التناقض الشديد، ترى ما المصيبة التى حدثت له والتى جعلته يتحول إلى النقيض تماما فى ٢٤ ساعة؟! لم يخسر ممتلكاته ولا أولاده كأيوب، ولم يطلب منه الرب أن يقدم ابنه ذبيحة كإبراهيم، ولم يدخل فى خطر الموت كالقديس بولس.
كل هذا الغم كان بسبب شجرة يقطين أنبتها الله له يستظل بها وفى اليوم التالى سمح لها بأن تيبس، فقال يونان “موتى خير من حياتى” (يون٨:٤ ).
هذا هو حال فرح العالم المسنود على أضوائه الزائلة. إن أكبر نسبة اكتئاب بل وانتحار نراها موجودة فى الدول الغنية حيث متوسط دخل الفرد من أعلى الأرقام، وعلى النقيض أجمل وجه بشوش يمكن أن تراه هو لراهب زاهد لا يستهويه من حطام الدنيا شئ، ولا يتجاذبه بريق العالم ولا مدح المادحين أو ذم الكارهين، تراه على كل حال هادئ قليل الكلام كثير التسبيح يكاد الفرح أن يقفز من عينيه.
إذا السعادة وراحة القلب لا تأتى من الخارج و لا أيضا الكآبة ناتجة عن الظروف المحيطة. فإن نجح إبليس فى أن يصيبنا بحزن أو تعاسة أو اكتئاب، فلا تظن أن ذلك الإحباط كان وليدا لضغوط خارجية أو لفشل فى الحصول على مباهج الحياة، إنما هو بالحقيقة تقييم خاطئ لمعنى وقيمة الحياة فى المسيح يسوع.
الطبيعة البشرية لم تعرف الحزن إلا بعد خطية أبينا آدم، الأصل فى خلقتنا هو الفرح، أما الحزن فهو دخيل على طبعنا.
لذلك من العبث أن نعتقد – بتفكير طفولى- أن تغيير الظروف المحيطة بنا سيمنحنا الفرح، فنبدأ كالأطفال نجرى ونلهث وراء القنية الزائلة وعندما نجدها كالأطفال نفرح بها لوقت قليل وسرعان ما نمل منها وتصبح بلا معنى ولا قيمة لها فى حياتنا.
الفرح الحقيقى لا يأتى من الخارج إلى الداخل إنما ينبع من الداخل للخارج، من الروح الوديع الهادئ من قلب ممتلئ بالروح القدس. القديس انبا انطونيوس عاش فى صحراء قاسية ليس فيها أى نوع من متع الدنيا بل على العكس فيها شظف الحياة ولكن لأن الداخل كان قوياً ارتسمت على وجهه بشاشة لم تفارقه حتى فى شيخوخته.
صحيح قول الحكيم “القلب الفرحان يجعل الوجه طلقا” (ام١٣:١٥ ).