يامصر ياندهتي في الضيق..
وغنوتي ع الريق.. عاشقك حقيقي..
عاشقك أمل وطريق..
ناقشك علي زنودي بيارق نصر..
مهما تدور الدواير الكل فاني..
وانتي إللي باقية يامصر
تلك الكلمات التي خرجت من رحم المقاومة وانطلقت تدوي في كل مكان خلال حرب أكتوبر للشاعر والمغني السويسي كابتن غزالي
ونحن نحتفل بالنصر المجيد الذي حققه الشعب وجيشه الباسل في واحدة من أشرف وأعظم معارك الكرامة في تاريخنا الحديث.
معركة أكتوبر ليست مجرد حرب عسكرية حقق فيها الجندي المصري نصرا عظيما علي العدو بعد سنوات قليلة من هزيمة يونية 1967 بل هي معركة شعب اختار التحدي وتوحدت قواه الحية لتحقيق حلم استعادة الروح وتمكن من رفع هامته شامخا بسواعد أبنائه.
وفي ظل أجواء أكتوبر المفعمة بالمشاعر الوطنية نتذكر ونحاول أن نذكر الأجيال المتعاقبة بصفحة ناصعة ومشرقة من صفحات المقاومة والنضال الوطني الذي كان فيها الشعب وجيشه وشرطته المدنية صفا واحدا بصدورهم المكشوفة أمام عدو غاشم.. ففي الرابع والعشرين من شهر أكتوبر 1973 تمكنت المقاومة الشعبية في مدينة السويس الباسلة من صد العدوان الإسرائيلي علي المدينة وتمثل تلك المعركة واحدة من البطولات المصرية الحافلة بالتضحيات والبطولات.
وكانت السويس قد مثلت نقطة هامة للمقاومة منذ هزيمة يونية ولعبت دورا محوريا في حشد المقاومة الشعبية التي استقبلتها المدينة من كل ربوع مصر لتصبح السويس هي عنوان وقبلة لكل فدائي يقدم روحه فداء للوطن.
وإلي جانب مشاهد العطاء علي الجبهة فقد كانت فرقة أولاد الأرض أحد أهم صور المقاومة بالفن والتصدي بالأغنية والقتال بالموسيقي.
لم تكن أولاد الأرض مجرد فرقة موسيقية تقدم الموسيقي والغناء بقدر ما كانت حالة مقاومة صارخة ضد الاحتلال الإسرائيلي للأراضي العربية, وقد انطلقت من مدينة السويس لتكون بمثابة صرخة لحث الناس علي الصمود خلال حرب الإستنزاف, ولعبت دورا بارزا في ذلك واستطاعت حشد كل شعراء مصر ورموزها الوطنية حولها, حيث كتب لها عدد كبير من الشعراء من بينهم عبدالرحمن الأبنودي وزين العابدين فؤاد وكانت تعتمد علي تقديم موسيقي السمسمية وتستعين بتراث موسيقي هائل لمنطقة القناة. إلا أن تجربة أولاد الأرض بما تملكه من ريادة في هذا السياق وبما تمثله من حالة وطنية شديدة الخصوصية والألق تظل بعيدة وتقف في موقع مميز وفريد من كل الفرق الموسيقية التي جاءت بعد ذلك.
ويرجع تأسيس الفرقة إلي الكابتن غزالي وهو من مواليد أبنود بصعيد مصر في 1928 كان موظفا بمديرية الصحة بالسويس ومتعدد المواهب شاعر ـ رسام ـ رياضي, كان لاعب مصارعة حرة سابق ـ له مرسم بمدينة السويس أسمر البشرة ـ قصير القامة كتب وغني معظم أغاني أولاد الأرض, يعد الحارس الأول علي تراث السمسمية بمدينة السويس بعد رائدها عبدالله كبربر.
استقر كاتبن غزالي بمدينة السويس بعد النكسة ولم يغادرها ضمن التهجير الجماعي للمدينة وقام بدوره الوطني بالمساعدة في تجميع الجنود المشتتين وساعد الجرحي وقام بإيصال الزخائر للجنود وتطوع في المقاومة الشعبية للدفاع عن مدينة السويس.
وهو الذي أطلق علي التجربة اسم أولاد الأرض, بعد أن كان اسمها بطانية ميري, ويعود ذلك إلي أنه في الأيام الأولي كانت المجموعة, تجلس كل ليلة علي البطانية الرصاصي الميري, المفروشة علي أرض الخندق, ليجلس عليها المنشدون, والذي يرددون معهم كلمات الأغاني, لذا كانت تسمي في البداية بطانية ميري وضمت الفرقة عبدالرحمن الأبنودي ومحمد حمام والملحنين إبراهيم رجب وحسن نشأت والمطرب محمد العزبي.
ولشحذ الهمم وبث روح الأمل والتخلص من آثار الهزيمة قام الكابتن غزالي بعمل الأمسيات الثقافية والفنية بمدينة السويس لتوعية الجماهير وأيضا لإعداد الجنود للعودة إلي سيناء لتحريرها وليوم النصر ومن هنا جاءت فكرة تكوين فرقة أولاد الأرض من مثقفي وشباب العمال بالسويس.
وتكونت الفرقة التي ساهمت في دعم المقاومة خلال سنوات حرب الاستنزاف حتي تحقق النصر في أكتوبر 1973 تكونت من أفراد المقاومة الشعبية, والغريب أن كابتن غزالي لم يعرف عنه قبل الهزيمة أي علاقة بالموسيقي أو الشعر.. لكنها المشاعر الوطنية التي فجرت بداخله طاقات إبداعية هائلة بنفس الدرجة التي فجرت الغضب ورغبة الانتقام من العدو.
وحول الفرقة قال كابتن غزالي في تصريحات صحفية عام 2013 وكانت أولاد الأرض في تلك الفترة بمثابة نشرة أخبار, وإذاعة أغان للمجندين ومرثيات للفدائيين, كنا نردد:
اتعلمنا منك كيف الموت ينحب.. واتعلمنا منك وقت الشدة نهب.. واتعلمنا ندوس الصعب.. نمد الخطوة ندق الكعب.. واتعدونا شهيدك يبقي عريس.. واتعدونا اليوم الكاكي ونوم ياأغلي مدينة وناس ينباس ترابك ينباس ياسويس.
قدمت الفرقة أكثر من 500 أغنية خلال سنوات المقاومة تمثل تراثا عظيما وإضافة كبيرة للأغنية الوطنية المصرية ومن أشهر أغنياتها غني ياسمسمية ـ أنا صاحي يامصر أنا صاحي ـ فات الكتير يابلدنا وغيرها من عيون الفن الوطني المقاوم. ونحن نحتفل بالذكري 47 لنصر أكتوبر المجيد نطالب وزارة الثقافة ضرورة جمع تراث أولاد الأرض وإعادة تقديمها بشكل يليق بعطاء وقيمة الفرقة, وذلك عبر المؤسسة الثقافية حتي نحفظ هذا التراث الفني والوطني العظيم.