تغني البحتري في وصف النيروز: أتاك الربيع الطلق يختال ضاحكا ـ من الحسن حتي كاد أن يتكلما ـ وقد نبه النيروز في غلس الدجي ـ أوائل وردكن بالأمس نوما, وعلي الرغم من جمال هذه الأبيات إلا أنه لم يكن البحتري يقصد عيد النيروز الذي يحتفل به المصريون, قصد البحتري عيد رأس السنة الفارسية والسنة الكردية أيضا والذي يوافق يوم الربيع أي الحادي والعشرين من مارس في التقويم الميلادي, ويرجع عيد النيروز إلي تقاليد ديانة الزرادشتية وظل الاحتفال بهذا العيد حتي بعد الفتوحات الإسلامية لبلاد فارس واستمر إلي يومنا هذا, ويعتبر هذا العيد أكبر الأعياد عند القومية الفارسية ويحتفل به في إيران والدول المجاورة كأفغانستان وتركيا ويحتفل به الأكراد خاصة في شمال العراق, وانتقل عيد النيروز بين الشعوب والثقافات عبر طريق الحرير, ويعتبر عطلة رسمية في إيران وأذربيجان والعراق وقرغيزستان.
أما مصر فتحتفل بعيد رأس السنة القبطية عيد النيروز, رأس السنة المصرية, عيد الشهداء, كلها مسميات ليوم الحادي عشر من سبتمبر يعرف جميع المصريين تاريخ هذا الاحتفال وارتباط السنة القبطية أو السنة المصرية بالفيضان وبدء العام الزراعي, ويتفاخر الأطفال بحفظ أشهرها توت, بابة, هاتور, كيهك, طوبه, أمشير, برمهات, بارمودة, بشنس, بؤونة, أبيب, مسرا, نسيء, احتفل المصريون القدماء بهذا اليوم وأطلقوا عليه تي ـ يارؤ بمعني يوم الأنهار الذي هو ميعاد اكتمال فيضان نهر النيل, السبب الأول في الحياة لمصر, وتحرف الاسم فيما بعد إلي نيروز ليمثل أول يوم في السنة الزراعية الجديدة, وقد اهتم المصريون بالاحتفال بعيد النيروز كتراث ثقافي مصري قديم.
وفي نفس اليوم تحتفل الكنيسة المصرية بعيد الشهداء ومن أشهر معالم الاحتفال أكل البلح الأحمر والجوافة لرمزهم لحياة الشهداء فالبلح الأحمر رمز لدماء الشهداء التي سفكت, ومن داخله النواة ترمز لإيمان الشهداء الثابت الذي لا ينكسر أبدا, وأيضا الجوافة بقلبها الأبيض الذي يرمز لقلب الشهداء النقي وبذورها الكثيرة ترمز لكثرة عدد شهداء المسيحية, واختيار الكنيسة لهذا اليوم يرجع إلي عهد الإمبراطور (دقلديانوس) الذي وجه جهوده كلها لاستئصال المسيحية من بلاده ووضع تخطيط محكم يقوم علي قتل رجال الدين ـ هدم الكنائس ـ إحراق الكتب المقدسة ـ طرد المسيحيين من الوظائف الحكومية وإباحة دمائهم, وقد نال أقباط مصر من هذا الاضطهاد أعنفه لأن دقلديانوس كان يري أن أساس العمق الديني المسيحي كان في مصر, لذلك جاء بنفسه وأقسم بآلهته أنه لن يكف عن ذبح المسيحيين بيده حتي يصل الدم المراق من المسيحيين إلي ركبة حصانه, وشرع يقتل بسيفه المسيحيين وهو ممتط صهوة حصانه, وحدث أن كبا الجواد فوقع علي الأرض فلحقت الدماء المسفوكة علي الأرض ركبتي الحصان وكان الإمبراطور قد تعب من ذبح المسيحيين, وقد أحصي عدد القتلي فقيل إنه بلغ 840 ألف شهيد, ونظرا لفداحة ما تحمله المسيحيون في عهد هذا الإمبراطور فقد أرخوا لسنة 284 ميلادية, وهي السنة التي اعتلي فيها الإمبراطور دقلديانوس عرش الإمبراطورية, لذلك فإن التاريخ القبطي ينقص عن التاريخ الميلادي بمقدار 284 سنة وصار التاريخ القبطي ابتداء من هذا التاريخ يسمي تاريخ الشهداء الأطهار… كل عام والشعب المصري بخير.