نمنح من نعشق أجمل ما فينا,حين نود,وحين يلتهب الوجد,وننسي أننا نمنح بإرادتنا إلي أن تسلب منا, نفيق نجدنا نمنح رغما عنا, ينكسر جناح الود, يجف الورد, نكف عن الطيران, ننزع أجنحة الشوق, نجدنا بلا عشق بلا معشوق, بلا منحة ولا ممنوح, نخرج من أبعد زاوية.داخل صورة لم يرسمها سوي الضعف الساكن في قطرات الدم, في نسيج اللحم.الضعف النائم في عمق الرغبة.
كلمات سطرناها من قبل تحت ذات العنوان منذ ثماني سنوات عن امرأة في منتصف العمر.
جاءتنا حينها تبكي باحثة عن حلول لم تستطع احتمال التجاهل المستمر من زوجها لها…زوجها الذي أحبته وأنجبت منه ثلاث بنات وولد,لايعيرها أدني اهتمام.
قالت مكسورة الخاطر:لم نكن ميسوري الحال حتي نستمتع بمباهج الحياة,سرقني الزمن من شبابي, وكبرت,كبرنا جميعا, وأصاب علاقاتنا الفتور بل والجمود, نعود منهكين من عملنا,صامتين معظم الوقت,حتي علاقتنا الزوجية لاترضي إلا بالروتين سيدا عليها, وإيقاعها يشبه إيقاع عقارب الساعة الذي يقتلنا انتظامه, فنبغي التحرر منه وكسره أحيانا.
وأكملت السيدة:شهرت فجأة بالتمرد, فأنا لم أحيا, لم أغرم, لم تعبر بي اللوعة والأشواق, لم أرتد الملابس العصرية مثلما تفعل بناتي الآن, وحافظت علي كيان الأسرة نعم لكن لم أجد من يحافظ علي قلبي لم يجرحني زوجي أبدا لكنه أيضا لم يثن علي أبدا وبعد أن كنت أطلب اهتمامه توقفت, ثم استوعبتنا الحياة,نظرت في المرأة وإذ بي سيدة تقف علي حافة خريف العمر تقترب من فقدان أنوثتها ودون وعي تركت نفسي للتيار, غيرت تسريحة شعري, وملابسي انعكس ذلك علي مشاعري, أصبحت أكثر إشراقا وإقبالا علي الحياة.
شعر زملائي في العمل بالتغيير, وعلي رأسهم المدير المباشر لي, الذي اقتنص الفرصة للتقرب مني, أمطرني بعبارات المديح والإطراء التي طالما تمنيتها, فهل يمكن لي وأنا زوجي أن اتجه بمشاعري لسواه؟
أقولها لك بصدق نعم فكلمات الإطراء التي تسعد أي امرأة مهما نضجت مشاعرها وتفتح عقلها لها مفعول السحر علي ذوات الأربعين وما فوق هذه السن الحرجة.
واستعذبت كلماته, يبدو أنني أعبر بسن اليأس فاقدة الإرادة معصوبة العينين,سرت في طريقي أجمع الأشواك ظنا مني أنها الورود وتجاوزنا مرحلة الإعجاب.
تعلق قلبي به بعد أن أعادني للخلف عشرين عاما لم يشعر أحد أفراد أسرتي بتغير, لكنني سئمت المنزل والهدوء وكل مايربطني بحاضري الراكد ليس كرها ولكن رغبة في التمرد وفك الحصار.
ظل الوضع هكذا أربعة أشهر ثم لاحظت تغييرا علي الزائر الجديد لحياتي تقلص الاهتمام وعدد مرات المكالمات التليفونية, وبدأ التهرب من اللقاءات وتقليص فرص الاحتكاك في العمل الذي ذاع صيت علاقتنا فيه, شعرت بالغدر أنه هذا النور من الرجال يريد نصب الشباك فمتعة الصيد الثمن تشعره بالنشوة والفخر المريض حينما تلتف حوله النساء.
صدقت كل توقعاتي التي لم أجهز نفسي لأي منها وكانت البديلة ضحية جديدة, أصبت بهياج الكرامة ووجه التخلي واكتشفت وجهي القبيح آه يارب بداخلي كل هذا الضعف, ولم أكن أدري أصبت بصدمة عصبية القتني طريحة الفراش.
والآن وقد مر علي تلك الواقعة شهر, ولم أذهب إلي عملي حتي الآن,أنا في حيرة من أمري, هل أعود لعملي علما بأن تم نقله إلي إدارة مختلفة لكن سيرتي بين زملائي صارت مشوهة فكيف أرفع عيني أمامهم مرة أخري؟.
حينما التقيت بهذه السيدة أجبتها علي سؤالها بسؤال:ماذا تتوقعين من زائر منتصف العمر؟هل جاء إليك من كوكب آخر أو حط علي قلبك من السماء معلقا الأجنحة الملائكية؟!مثله مثل معظم الرجال الشرقيين الذين يجدون متعتهم في اقتناص الفريسة إرضاء لغرورهم وإشباعا لنرجسيتهم. خمسة وأربعون عاما هو عمرك ألم تكن كفيلة بكشف الحقائق أمامك والآن وقد اكتشفتي الضعف الكامن بداخلك هل تتوارين أم تواجهينه لتتخلصي منه بدلا من استغلال زوار آخرين, فمنتصف العمر فترة ممتدة في حياة المرأة والرجل كليهما ينحني أمامها حتي تعبر باحتياجاتها وتوتراتها البيولوجية والنفسية ينحني انحناء الترويض وليس انحناء الخضوع, انحناء لايعرف المفاوضة علي السقوط, وأن سقطتي تستقيم رأسك سريعا,لأن الله يغفر لكننا في مجتمع لايعرف الغفران.
حينها قلت لها:لاتضيفي خسارة جديدة لخسائرك وبالفعل عادت السيدة إلي عملها, وبعد ثماني سنوات عادت لي تبكي من أنها مازالت تجني آثار التجربة المريرة والتشويه الذي مورس عليها,عبر وسائل التواصل الاجتماعي التي صارت رادعا وهي لم تزل في الثالثة والخمسين من عمرها ولاتفعل شيئا في حياتها الآن سوي تطبيب زوجها الذي أصابه مرض السرطان,حتي أنفقت كل ماتملك واستدانت لتعالجه وتراكمت عليها الديون وصارت عبئا جديدا تتم مساومتها به.
همسة في أذنيك ياعزيزتي:إذا لم تغفري لنفسك لن يغفر لك أحد تصالحي مع ذاتك كفاكي استدانة لتوفير علاج زوجك فما تفعلينه مجرد تكفير عن سقوطك,وجرمك في حقه,تكفير لن يفيد لكنه يضر وقد يعيدك للسقوط مرغمة كفاكي جلدا في روحك التي عادت لكنها لم تر كسرا كان مجبورا في يد الله منذ اللحظة الأولي.